قال غير واحد من المفسرين «١» إن ضمائر الجمع المخاطب في الآية عائدة إلى الكفار الذين هم موضوع الكلام في السياق السابق، وقال بعضهم إنها عائدة إلى المسلمين أو سامعي القرآن إطلاقا «٢» والقول الأول هو الأوجه المستلهم من روح الآيات والسياق أيضا. وقد أوّلها أصحاب هذا القول بأنها تتضمن أمرا للنبي ﷺ بأن يقول للكفار إن أمركم بيد الله وهو أعلم بكم إن شاء رحمكم فتاب عليكم وهداكم، وإن شاء خذلكم فبقيتم على كفركم.
أما خاتمة الآية ففيها التفات إلى النبي ﷺ بأن الله لم يجعله وكيلا عنهم ولا مسؤولا عن هدايتهم وكفرهم، وكل ما عليه أن ينذرهم ويبشرهم، مما ينطوي فيه تسلية له إزاء مواقف الحجاج والعناد التي يقفها الكفار من دعوته.
وواضح من هذا أن الآية غير منقطعة عن السياق السابق. ولقد انطوى فيها تعليل لمشيئة الله تعالى فيهم على ما هو المتبادر. فهو تعالى أعلم بما في ضمائرهم وقلوبهم فيهدي من فيه الخير والرغبة في الهدى فيدخل في نطاق رحمته، ويخذل من لم يتوفر فيه ذلك فيكون مصيره إلى العذاب على حد ما جاء في آية سورة الرعد هذه وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) وآية سورة إبراهيم هذه يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (٢٧) وبهذا يزول ما يمكن أن يحيك في صدر القارئ من وهم من ظاهر عبارة الآية.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٥]
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)
. لم يروا المفسرون رواية في مناسبة هذه الآية. وهي معطوفة على ما سبقها.
وقد بدئت بما بدئت به الآية السابقة حيث يسوغ هذا القول إنها استمرار للسياق.

(١) انظر تفسير الآية في القاسمي والكشاف والطبري والخازن.
(٢) انظر تفسيرها في ابن كثير.


الصفحة التالية
Icon