قد تضمنت قصد تقرير كون الذين لا يؤمنون بالحق ولا يتبعونه والذين يكابرون في الحقائق الباهرة ويتناقضون إنما هم الفاسقون الذين تعمدوا الانحراف والاعوجاج والعناد والجحود وفسدت أخلاقهم ونياتهم فحقت عليهم كلمة الله ولعنته وغضبه.
وتضمنت بالتالي قصد تقرير كون فساد الخلق والنية وسوء الطوية في المرء هما اللذان يحولان دون اتباعه الحق. وكون الذين يهتدون بهدي الله هم ذوو النيات الحسنة والطوايا السليمة. وهذا المعنى مما تكرر تقريره صراحة تارة وضمنا تارة في مناسبات عديدة مرّ تفسير بعضها. والجملة بناء على هذا الشرح من قبيل وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ [البقرة: ٢٦] ووَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ [إبراهيم: ٢٧] من الضوابط التي يحسن أن يؤول بها العبارات التي تقرر كون كلمة الله حقت على بعض الناس بصيغة مطلقة أي بدون أن تقترن بتعليل الفسق أو الظلم أو الكفر، ويزول بها ما قد يرد من وهم وإشكال على العبارات القرآنية المطلقة.
والجملة وإن جاءت مطلقة لتنطبق على كل فاسق في كل ظرف فإن الآيات التي وردت في سياقها قد وجه الخطاب فيها إلى المشركين في زمن النبي ﷺ كما هو ظاهر من نصها، وتكون هي بالنسبة إليهم تسجيلا لواقع أمرهم عند نزولها في حين أن كثيرا منهم قد آمنوا حيث يصح أن يقال في شأنها ما قلناه في شأن أمثالها إنها ليست على التأييد والإطلاق إلّا بالنسبة لمن ظل كافرا فاسقا ومات كذلك.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣٧ الى ٣٩]
وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩)
. (١) ولما يأتهم تأويله: جمهور المفسرين يؤولون الجملة بمعنى (لما يروا بعد تحقيق ما يوعدون به من مصير وعذاب) والكلمة من آل بمعنى صار إليه من


الصفحة التالية
Icon