(١) يثنون صدورهم: يلوونها كما يفعل الذي يريد أن يخفي نفسه من غيره.
(٢) يستغشون ثيابهم: يضعون ثيابهم غشاء عليهم لمنع غيرهم من رؤيتهم.
لقد روى المفسرون عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم من أهل التأويل في الصدد الأول أقوالا عديدة في مدى الآية الأولى. منها أنها نزلت في حق الأخنس بن شريق الذي كان يظهر الود للنبي ﷺ وصدره مشحون بالبغضاء له. أو أنها نزلت في بعض المنافقين أو الكفار الذين كانوا يثنون صدورهم أو يستغشون بثيابهم إذا رأوا النبي ﷺ مقبلا حتى لا يراهم. ومنها أنها بسبيل الإشارة إلى عادة عند العرب وهي أنهم كانوا يستخفون من الله حينما يأتون منكرا أو أنهم كانوا يستحيون من الإفضاء بنظرهم إلى السماء فى حالة الجماع أو في حالة التخلي لقضاء الحاجة. وفي كتاب التفسير في صحيح البخاري حديث في القول الأخير جاء فيه: «إن ابن عباس سئل عن هذه الآية فقال أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء أو يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزلت الآية» «١».
والروايتان الأوليان تقضيان بأن يكون ضمير (منه) عائد إلى النبي ﷺ في حين أن روحها ومضمونها وروح الآية ومضمونها معا يلهمان أن الضمير عائد إلى الله تعالى. وهذا يتسق مع الأقوال الأخرى ومنها الحديث الذي يرويه البخاري عن ابن عباس مع استبعادنا أن يكون ابن عباس قصد أن الآية نزلت خاصة في الأحوال المذكورة في الحديث وإنما قصد بيان عادة العرب فيها وقصد إشارة القرآن إليها.
ويتبادر لنا والحالة هذه أن الآيتين جاءتا معقبتين على ما سبقهما. فالآية السابقة لهما مباشرة تقرر أن مرجع الناس إلى الله تعالى وأنه قدير على كل شيء فجاءت الآيتان عقب ذلك تشيران إلى عادة كان العرب يجرون عليها بل تكاد تكون عادة

(١) التاج ج ٤ ص ١٣٠.


الصفحة التالية
Icon