تعليق على تعبير انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا
والآية التاسعة في تقريرها ضلال الكفار فيما يبدو منهم من أقوال ويضربونه من أمثال ويتحدونه من تحدّيات قد تضمنت تقرير كون مواقفهم هذه هي مواقف عناد ومكابرة وليست صادرة عن نيّة حسنة ورغبة في الحق، وتقرير كون من كانت مواقفه ناشئة عن ذلك لا يستطيع أن يتبيّن الحق والهدى فيما يسمع ويشاهد.
واستعمال كلمة فَضَلُّوا قد تفيد بالإضافة إلى ما قلناه أن إنكار الكفار ومكابرتهم وتساؤلهم وتحدّياتهم ناتجة عن ضعف إدراكهم الذي أدّى بهم إلى الظنّ بأن الرسل يجب أن يكونوا من غير البشر أو أن تكون لهم مواهب تفوق مواهب البشر. وهذا المعنى جاء بصراحة في آيات أخرى منها آيات سورة الإسراء هذه:
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (٩٣) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا (٩٤). وقد يفيد كذلك أن من الضلال أن يظنّ أن دعوة الناس إلى دين الله وطريق الحق تقتضي أن يقوم بها شخص فوق البشر في حين أن الخصائص التي يقتضي أن يمتاز بها الرسول ليست مما يخرجه من الطبيعة البشرية وإنما هي في الخلق والنفس والروح والعقل.
وفي كل ما تفيده الآية تلقينات جليلة مستمرة المدى في تقبيح المكابرة والشذوذ وعدم تدبّر الأمور، والانحراف عن مقتضى الحق والمنطق وعدم التسليم بهما عند ظهور حجتهما والتحمّل في ما لا طائل من ورائه بسبيل هذا الانحراف.