أمشاه على الرجلين في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ قال قتادة: بلى وعزّة ربنا» «١».
تعليق على تحدّي الكفار بإنزال القرآن جملة واحدة
وقد قال المفسرون في سياق الآيات إن الكفار كانوا يتحدّون النبي ﷺ بإنزال القرآن جملة واحدة كما أنزلت الكتب السماوية التوراة والإنجيل والزبور جملة واحدة. وعلّلوا نزول القرآن على النبي ﷺ مفرقا بأنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب فكان لا بد له من التلقين والحفظ اللذين يقتضيان إنزال القرآن مفرّقا في حين كان الأنبياء الأولون يقرأون ويكتبون فنزلت عليهم جملة واحدة ومكتوبة «٢».
وقد يكون ما قاله المفسرون عن سبب تحدّي الكفار صحيحا، وأن يكون هؤلاء سمعوا من الكتابيين أن التوراة والإنجيل والزبور نزلت على موسى وعيسى وداود عليهم السلام جملة واحدة. غير أننا لا نستطيع موافقتهم على أخذهم ذلك كقضية مسلّم بها وتعليلهم إياه بأمّية النبي صلى الله عليه وسلم. فباستثناء الألواح التي ذكرت آية الأعراف [١٤٥] أن الله أنزلها مكتوبة على موسى لم يرد في القرآن صراحة أن الله أنزل الكتب الأخرى مكتوبة ودفعة واحدة. والأسفار المنسوبة إلى موسى والعائدة إلى عهده وحياته والمتداولة اليوم تذكر أن الله إنما أمر موسى بإحضار لوحين وتكرر كذلك أن موسى كتب كلام الربّ في سفر وسلّمه للاويين لحفظه في تابوت العهد في بيت الربّ وتفيد أن معظم ما احتوته من تعليمات وتشريعات نزل مفرّقا وفي فترات ومناسبات عديدة وفق سير الظروف بالنسبة لموسى عليه السلام وبالنسبة لبني إسرائيل «٣». والزبور الذي هو على الأرجح سفر المزامير مقاطع متتالية فيها
(٢) انظر تفسير البغوي والطبرسي والخازن وابن كثير.
(٣) انظر أسفار الخروج والأحبار والعدد وارجع إلى تمحيصنا في شأن التوراة والإنجيل في سورة الأعراف.