حيل بيننا وبين خبر السماء. وأرسلت علينا الشهب. قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلّا ما حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حدث فانطلقوا ينظرون. فالذين توجّهوا نحو تهامة سمعوا قراءة رسول الله وهو يصلّي الفجر بأصحابه بنخلة! فتسمّعوا له فقالوا هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء.
فرجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربّنا أحدا. وأنزل الله تعالى قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ. وإنما أوحي إليه قول الجن» «١».
ولقد أورد الطبري هذا الحديث وأعقبه بكلام يفيد أن حادث استماع الجنّ للقرآن المذكور في هذه السورة وحادث استماعهم المذكور في آيات سورة الأحقاف هذه: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) واحد. مع أن الذي نرجّحه بل المستفاد من روح مجموعتي السورتين والفترة الطويلة بين نزول السورتين وحديث آخر مروي في سياق نزول مجموعة الأحقاف أنهما حادثان على ما سوف نزيده شرحا في سياق تفسير سورة الأحقاف. والعبارة القرآنية قطعية الدلالة على حدوث هذا الحادث الغيبي. ومن واجب المسلم الإيمان به كما هو الشأن في الإيمان بوجود الجنّ على ما شرحناه في سياق سورة الناس.
والآيات مع الحديث تساعد على تسجيل الملاحظات التالية:
١- إن الآية الأولى تفيد أن النبي ﷺ لم ير نفر الجن ولم يسمع أقوالهم وأن ذلك كان أمرا مغيبا عنه أخبر وبه بوحي رباني قرآني. وقد روى المفسرون حديثا عن ابن عباس جاء فيه فيما جاء أن النبي ﷺ ما قرأ على الجنّ ولا رآهم وإنما أوحي إليه قولهم «٢».
(٢) انظر تفسير ابن كثير لآيات الأحقاف وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ إلخ مثلا. وهذا المعنى وارد في الحديث المروي آنفا أيضا.