ابن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت. فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب. فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعثت إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم عليّ ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك وقد بعثني إليك لتأمرني بأمرك. إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال رسول الله بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا». وقال ابن كثير إن الحديث ورد في صحيحي البخاري ومسلم عن طريق الزهري عن عروة عن عائشة.
وينطوي في الحديث أولا: مشهد من المشاهد الروحانية التي كشفها الله للنبي ﷺ لتسكينه وتطمينه. وثانيا: حكمة حكم الله ورسوله فيما كان من عدم التعجيل بالعذاب على قومه الذين ناوأوه وهذا ما تكررت الإشارة إليه في آيات عديدة بعضها في سور سبق تفسيرها. وثالثا: صورة من صدق عاطفة النبي ﷺ وإشفاقه التي كانت تعتلج بها نفسه صلى الله عليه وسلم. ولقد صدق الله ظنه فآمن كثير من الكافرين وأخرج من أصلابهم مؤمنين مخلصين صادقين.
أما عبد ياليل المذكور في الحديث فهو زعيم الطائف حيث ذهب النبي ﷺ إليها بعد موت عمه لعله يجد نصيرا، فرد أقبح ردّ ورشق حتى أدمي. وعاد كسيرا حزينا وناجى ربه في الطريق مناجاة سنوردها في سياق تفسير سورة الأحقاف لأن لها مناسبة أكثر ملاءمة فيها، فكان ذلك المشهد والحوار اللذان ذكرا في الحديث.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥٩ الى ٦٢]
وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢)


الصفحة التالية
Icon