وهو منبثق من طبيعة الأنبياء البشرية. وهناك أحاديث عديدة عن نسيان النبي ﷺ منها حديث رواه الخمسة عن عبد الله «أنّ رسول الله ﷺ صلّى الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة، فقال وما ذاك؟ قال صلّيت خمسا فسجد سجدتين بعد ما سلّم وفي رواية قال أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ثم سجد سجدتي السهو» «١».
ويتبادر لنا أن نسبة الإنساء للشيطان في الجملة هو تعبير أسلوبي أو هو وسوسة الشيطان التي تجوز على كل إنسان، وهي ليست من قبيل سلطان الشيطان الذي نبهت آيات عديدة على أن ذلك ليس واردا بالنسبة لعباد الله المخلصين الذين يأتي النبي ﷺ في مقدمتهم.
وإنساء الشيطان أيسر من نزغ الشيطان، ومع ذلك ففي آية سورة الأعراف التي سبق تفسيرها ما يجعل النزغ الشيطاني جائزا بالنسبة للنبي ﷺ على ما شرحناه في سياقها. وجواز السهو والنسيان على النبي ﷺ إنما يحتمل في الشؤون البشرية والدنيوية. أما الشؤون الدينية والتبليغ عن الله تعالى فالمتفق عليه عند الجمهور أنه معصوم عنهما وهو الحق «٢».
وقد استنبط بعضهم «٣» من الآية الأولى التي فيها هذه الجملة رفع مسؤولية ما يقع من الإنسان من أمور محظورة نسيانا وسهوا وخطأ غير متعمد. وأيدوا ذلك بالحديث النبوي الذي رواه ابن ماجه وأبو داود وجاء فيه: «إنّ الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» «٤». وفي سورة الأحزاب هذه الآية: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥) وقد
(٢) انظر تفسير الآيات في الطبرسي ومنار رشيد رضا.
(٣) انظر تفسير ابن كثير والمنار.
(٤) التاج ج ١ ص ٢٩.