ظاهِرَةً وَباطِنَةً
مستمدة من مشاهدات الناس وممارساتهم وأن سامعي القرآن مباشرة يعرفون مداها، فقصدت حكمة التنزيل تنبيههم إلى ما يعرفون ويتمتعون به من فضل الله عليهم، وواجب الاعتراف به والشكر على ذلك. ولا نراها من جهة أخرى تقتضي أن يكون معناها إن الله خلق السموات والأرض وما فيهما لأجل بني الإنسان خاصة ولكنها قد تنطوي مع ذلك على تقرير اختصاصهم دون غيرهم من الأحياء بالتغلب على ما في السموات والأرض من قوى ونواميس وتسخيرها والانتفاع بها نتيجة لما اختصهم به من تكامل عقلي. وهكذا يكون هذا المعنى قائما واسع المدى متساوقا مع تطور العقل والفكر والمعارف الإنسانية والنشاط الإنساني في كل ظرف ومكان. ويكون قد انطوى على حث الإنسان والمسلمين بخاصة على الانتفاع بهذه القوى والنواميس بمختلف الأساليب والوسائل والصور.
وقد تكرر تقرير ذلك فيما يأتي من السور. وفي بعضها يبدو المعنى أوضح على ما سوف ننبه عليه في مناسباته.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤)
. معاني الآيات واضحة، وقد جاءت معقبة على سابقاتها كما هو المتبادر، واحتوت في الوقت نفسه تسلية للنبي على عناد الكفار وأقوالهم وتمسكهم بتقاليد الآباء الباطلة وإنذارا لهم فلا ينبغي للنبي ﷺ أن يحزن من كفرهم. وقصارى أمرهم متعة قصيرة الأمد ثم يصيرون إلى العذاب الشديد الخالد الذي استحقوه. واحتوت كذلك حثّا على إسلام النفس لله عز وجل والاتجاه إليه وحده والجمع بين ذلك وبين الأعمال الحسنة الصالحة وتنويها بالذين يفعلون ذلك. فإنهم يستمسكون بعروة وثقى لا تنفصم.
وأسلوب الآيات من الأساليب الصريحة المحكمة التي تقرر كسب الناس