إطلاقا «١». ونحن نرجح القول الأخير حيث يكون معنى الآية: «إن كل ذي علم وفهم وإذعان يدرك صدق ما أكدته الآيات القرآنية من حكمة البعث وقدرة الله عليه ويتأكد من أن القرآن لا بدّ من أن يكون حقا منزلا إلى النبي ﷺ من الله عز وجل ليهدي الناس إلى صراط الله القويم. ومع هذا فالأقوال الثانية لا تخلو من وجاهة، وقد ورد في بعض آيات السور المفسرة السابقة حكاية اعتراف أهل العلم والكتاب بصحة نزول القرآن من الله هاديا للناس مثل آيات سورة الأنعام [١١٤] وآيات سورة الإسراء [١٠٧- ١٠٩] والقصص [٥٢- ٥٥].
وقد روى المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية مدنية، وروى بعض المفسرين «٢» أنها نزلت في عبد الله بن سلام أو غيره من مسلمة يهود المدينة الذين شهدوا بصدق القرآن ونبوة النبي صلّى الله عليه وسلم. والروايات غير موثقة، والآية إلى ذلك منسجمة أشد الانسجام مع ما قبلها وما بعدها. وفي حالة انفرادها في النزول لا تؤدي المعنى الذي شرحناه شرحا نرجو أن يكون الصواب والحق. وحتى على فرض أن يكون المقصود من جملة الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أهل الكتاب، فإن هذا لا يقتضي أن يكون المقصودون هم مسلمة يهود المدينة. فقد كان في مكة يهود ونصارى، وقد أسلموا وشهدوا بصحة الرسالة المحمدية وصدق صلة القرآن بالله على ما ذكرته آيات مكية عديدة مرّ بعضها في السور المفسرة السابقة المذكورة آنفا.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٧ الى ٩]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)
(٢) انظر تفسير الطبري.