سورتي الأعراف ويس بما يغني عن التكرار «١». ونكتفي بالقول هنا بمناسبة ما ورد في الآية الثانية من الإشارات إلى كيفيات الخلق أن في أسلوب الآيات ومضمونها ما يدل على أن القصد منها كما هو في أمثالها الكثيرة على ما نبهنا إليه في مناسبات سابقة هو التنبيه إلى مشاهد عظمة الله وقدرته ونعمه على الناس بأسلوب يتسق مع أفهام الناس على اختلاف فئاتهم وبما هو ماثل أمام أعينهم وفي أنفسهم وما يتمتعون به من وسائل الحياة وليس تقرير نواميس كونية وخلقية من وجهة فنية وأن الواجب عدم تجاوز هذا النطاق في هذه الآيات لأن ذلك ليس من المقاصد القرآنية.
تعليق على جملة إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ
والآية الأخيرة من الآيات الحاسمة في تقرير كون كفر الكافرين وإيمان المؤمنين وما ينشأ عن ذلك من الهدى وعمل الصالحات والضلال والكفر واقتراف الآثام إنما هو من مكتسبات الإنسان وقابليته الاختيارية التي شاء الله أن يودعها فيه. وفي تقرير تنزيه الله عز وجل عن تحتيم الكفر والإثم على أحد تحتيما لا يجعل له مناصا منهما. فهو الغني عن الناس إن كفروا به ولا يرضى بذلك ولا يحبه لهم قط في حين أنه يرضيه منهم أن يعترفوا به ويشكروه ويحبه لهم.
ومع وضوح الآيات ومقاصدها في التنويه بالشكر والتنديد بالكفر فإن أصحاب المذاهب الكلامية «٢» تشادوا حولها فقال بعضهم: إن عدم الرضا وعدم الإرادة في معنى واحد وإن الكفر لا يمكن أن يقع بإرادة الله. ورد عليهم مخالفوهم فقالوا: إن هناك فرقا بين الرضا والإرادة ولا يقع في ملك الله إلّا ما أراد وإن كان
(٢) انظر تفسير الآية في الكشاف للزمخشري وما عليه من تعليقات لابن المنير الإسكندري (الطبعة الأولى مطبعة مصطفى محمد) وانظر أيضا تفسيرها في تفسير الخازن.