من ألقى نفسه في النار، وإفهام النبي ﷺ على سبيل التطمين والتسلية أنه ليس من مهمته إرغام هؤلاء على الإيمان ولا هو بمستطيع ذلك.
ويلفت النظر إلى الآية [١٨] وما في شطرها الأول بخاصة من قوة التنويه والتلقين والمدى. فذو العقل السليم واللب الطيب هو الذي يتروى في كل ما يسمعه ثم يتبع ما يكون فيه من الصواب والهدى دون أن يؤثر فيه غرض وهوى.
ولذلك فإنه يصح أن يكون من تلقينات القرآن العامة المدى والاستمرار في صدد من يتروى فيما يسمع ويتبع الصواب منه وفي وجوب ذلك.
ولقد روي «١» أن الآية [١٧] نزلت في إسلام عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد الذي تمّ على يد أبي بكر، كما روي أنها نزلت في زيد بن عمرو وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي رضي الله عنهم جميعا، ويلحظ أن الآية منسجمة مع السياق قبلها وبعدها انسجاما تاما وأن معظم الذين ذكرت الرواية أسماءهم أسلموا منذ عهد مبكر، ومنهم من أسلم في العهد المدني مثل أبي ذر وسلمان في بعض الروايات. على أن هناك من قال إنها بقصد التنويه بالمؤمنين بصورة عامة «٢». وهو الأوجه لا سيما أنه لم يرو أحد أنها نزلت لحدتها وإنما هي من سلسلة تامة متصلة السياق بما قبلها وما بعدها على ما هو المتبادر.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق الآية الأخيرة حديثا عن أبي سعيد الخدري قال: «قال النبي ﷺ إنّ أهل الجنّة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغهم غيرهم؟ قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين». وأورد ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن علي قال: «قال رسول الله: إنّ في الجنة غرفا يرى بطونها من ظهورها
(٢) المصدر نفسه.