وظهورها من بطونها. فقال أعرابي: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلّى بالليل والناس نيام». وصيغة أخرى لهذا الحديث رواها الإمام أحمد أيضا عن أبي مالك الأشعري قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدّها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصّيام وصلّى والناس نيام». حيث ينطوي في الأحاديث صورة مما كان النبي ﷺ يعلق به على الآيات القرآنية على سبيل التبشير والتشويق والتوضيح.
[سورة الزمر (٣٩) : آية ٢١]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١)
. (١) يهيج: يتم جفافه.
(٢) حطاما: فتاتا أو محطما مهشما.
المتبادر أن الآية غير منفصلة عن سابقاتها وأنها جاءت بمثابة استطراد وتعقيب عليها لتنبيه الناس إلى ما يقع تحت مشاهدتهم من نزول المطر من السماء وتسربه إلى باطن الأرض ثم خروجه منها ينابيع وانسياحه على سطحها وما ينبت به من زرع مختلف الألوان ثم يتم نضجه وجفافه ثم يصفر ثم يصبح حطاما. وفي كل هذا ذكرى لذوي العقول والإذعان. وقد قال بعض المفسرين: إن فيها تنبيها على أنه لا بد أن يكون للكون صانع مدبر، ودليلا على قدرة الله على بعث الناس وإعادتهم ثانية. وقال بعضهم: إن فيها تمثيلا لمظاهر الحياة للتحذير من الاغترار بها فكل ما يبدو فيها بهيجا عاقبته إلى الجفاف والدمار.
وكلا القولين وجيه، مع التنبيه إلى أن ما في القول الثاني من قصد التحذير من الاغترار بالدنيا لا يعني الدعوة إلى نفض اليد منها. فذلك ما نفاه القرآن في


الصفحة التالية
Icon