حديث رسول الله يضارع حديث الله أو يغني عنه. والشطر الثاني من الآية يدعم ذلك ويفسر مدى شطرها الأول حيث يسوغ القول إنها في صدد التنويه بالمؤمنين الأولين الذين اهتدوا وتأثروا بالقرآن ومواعظه وتساوقه وانسجامه وروحانيته أقوى التأثر. والآية بعد فيما هو المتبادر متصلة بسابقتها ومعقبة عليها. فقد احتوت السابقة تنويها بمن شرح الله صدره للإسلام وتنديدا بقساة القلوب عند ذكر الله فجاءت هذه الآية تبين ما هو ذكر الله وما هو أثره في القلوب الصافية السليمة.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآية عن عروة بن الزبير قال: «قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله ﷺ يفعلون إذا قرىء عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله عزّ وجلّ تدمع أعينهم وتقشعرّ جلودهم». حيث ينطوي في الحديث توكيد تطبيقي لأثر القرآن في أصحاب رسول الله ﷺ الأولين رضي الله عنهم.
ومعجزة الآية في المؤمنين مستمرة المدى في كل ظرف ومكان، فلن يسمع القرآن مؤمن يخاف الله ولا يكابر في آياته إلّا استشعر بروحانيته وخشع قلبه له.
ويستوي في هذا العربي الذي يفهم لغة القرآن والأعجمي إذا سمع ترجمة معانيه ترجمة صادقة.
هذا، وليس من محل للاستشكال في الآية بسبب الإطلاق في عبارة: ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣) فإن الإشكال يزول بآيات عديدة أخرى قرنت فيها هداية الله وإضلاله بأسبابها ونص فيها على أن الله إنما يضل الفاسقين والظالمين أي الذين فسدت أخلاقهم وساءت نياتهم، وإنما يهدي إليه من أناب أي من رغب في الحق والهدى على ما نبهنا إليه في مناسبات عديدة سابقة.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآية حديثا عن عباس بن عبد المطلب قال: «قال رسول الله ﷺ إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحاتّ عن الشجرة اليابسة ورقها». وحديثا آخر جاء فيه: «إذا اقشعر