يسوغ القول إنها في صدد حكاية مواقف جدل ومناظرة أو ما هو بسبيل ذلك.
ولعلها في ذات الوقت ردود على بعض كفار غلوا في الزهو والاعتداد بالنفس والمال والقوة، وفي الاستخفاف بالمؤمنين وضعفهم وفقرهم. فردت الآيات في معرض المناظرة والجدل ردودا متتابعة استهدفت بيان الفضل الحقيقي والتفوق الحقيقي في تقوى الله والمصير السعيد الذي سيصير إليه المؤمنون، والعذاب الأكبر الذي سيكون من نصيب الكافرين.
وفي مضامين الآيات يمكن أن يرى المتمعن قرائن على هذا أولا، كما أن مثل هذا الزهو والتبجح والاستخفاف مما حكته آيات قرآنية عديدة ثانيا.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٢٧ الى ٢٩]
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩)
. (١) متشاكسون: متنازعون.
(٢) سلما: بمعنى خالصا بدون منازع.
في هذه الآيات:
١- تنويه بما احتواه القرآن من الأمثال المتنوعة التي ضربها الله تعالى للناس فيه بقصد حملهم على التدبر والتذكر.
٢- وإشارة إلى أن القرآن الذي احتوى هذه الأمثال هو قرآن عربي لا عوج فيه ولا إغراب ولا تعقيد، وقد جعله الله كذلك حتى يفهمه السامعون بسهولة وتبعث فيهم أمثاله شعور تقوى الله.
٣- ومثل مستأنف من جملة هذه الأمثال على سبيل المقايسة: فحالة المشركين والموحدين مثل حالة مملوكين أحدهما يملكه شركاء عديدون متنازعون


الصفحة التالية
Icon