تداول قصته في عصر النبي ﷺ وبيئته ويؤيد ما رجحناه «١». ومن ذلك أنه ابن عم لفرعون وأن اسمه جبريل أو حزبيل أو حبيب وأنه هو الذي حذر موسى ونصحه بالخروج على ما جاء في سورة القصص وأنه خرج مع موسى حينما خرج ببني إسرائيل من مصر.
وأسلوب آيات القصة ومضمونها يؤكدان أن هدفها هو إنذار الكفار العرب وتخويفهم وتطمين النبي ﷺ والمؤمنين بأن ما يلقونه هو ما كان يلقاه الرسل والمؤمنون السابقون الذين أيدهم الله ونصرهم وأهلك أعداءهم.
ولقد ذكرت الروايات بعض مواقف لبعض المؤمنين استنكروا ما كان يبدو من بغاة قريش من عدوان وطغيان ضد النبي ﷺ ومنهم من كان هذا سببا لإيمانه وإعلانه مناصرة النبي ﷺ مثل حمزة عمه الذي ثار غضبه على أبي جهل حينما علم بموقف شديد بذيء له مع النبي ﷺ حيث ضربه فشجه، ثم أعلن إسلامه أمام ملأ من قريش في فناء مكة. ولقد وجد أبو بكر يوما بعض بغاة قريش محدقين بالنبي ﷺ وأحدهم يشد رداءه على عنقه فأخذ يصرخ باكيا: «أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله» حتى تعرض هو نفسه للأذى والشر. ولقد ذكرت الروايات فيما ذكرت أن بعض زعماء قريش المعتدلين كانوا ينصحون قومهم بترك النبي ﷺ وشأنه فإن نجح كان في جناحه عزهم وقوتهم. ومنهم من كان يبدي دهشته من بلاغة القرآن وروحانيته وينكر أن يكون شعر شاعر وسجع كاهن وتخييل ساحر.
ففي قصة الرجل المؤمن مماثلة لبعض هذه الصور «٢» وتذكير بمواقف مماثلة في

(١) انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي وغيرهم.
(٢) انظر الجزء الأول والثاني من سيرة ابن هشام والجزء السادس من كتابنا (تاريخ الجنس العربي) ففيها هذه الصور وصور عديدة مماثلة أخرى. وموقف أبي بكر رضي الله عنه ذكر في حديث أخرجه البخاري جاء فيه: «سئل عبد الله بن عمرو عن أشدّ ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بينا رسول الله ﷺ يصلّي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله ﷺ فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله ﷺ وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم. التاج ج ٤ ص ٢٠٣ وانظر روايات أخرى لهذا الموقف في تفسير ابن كثير والبغوي لهذه الآيات.


الصفحة التالية
Icon