الأحاديث المتضمنة تأييد فئة على فئة، ورأي على رأي، ودعوة على دعوة، وما كان من وضع الأحاديث والروايات لصرف آيات القرآن إلى غير وجهها الحق وتأويلها بغير وجهها الحق بسبيل ذلك، وما كان من استعلاء قوم على قوم وشيعة على شيعة استعلاء القوة والسلطان، مع اشتداد العداء والتجريح واشتداد تيار الأحاديث المفتراة، وكان ممن صار له السلطان القوي الواسع المديد فئات كانت تقيم دعوتها على صرف تلك الآيات إلى هواها وتأويلها بغير وجهها الحق والاجتراء على رسول الله ﷺ وأصحابه بسبيل ذلك، وأن يذكر أن هذا كان في وقت لم يكن القرآن فيه مطبوعا ولا مصورا، ولم يكن من المستحيل فيه أن يجرأ الذين اجترءوا على رسول الله ﷺ وأصحابه وكذبوا عليهم وصرفوا الآيات القرآنية إلى غير وجهها الحق- على كتاب الله تعالى فيغيروا ويبدلوا ويزيدوا وينقصوا تبديلا جوهريا سائغا على المسلمين مؤيدا لأهوائهم، وينشروا به مصاحف عديدة وبخاصة في الآيات التي حاولوا صرفها عن وجهها الحق إلى تأييد أهوائهم ودعوتهم، أو إضعافها لتكون أكثر مطابقة مع الوجوه التي أريد صرفها إليها سلبا وإيجابا، ونفيا وإثباتا، وفي وقت كانت الكتابة العربية سقيمة ولم يكن قد اخترع النقط والشكل وكان التشابه بين الحروف كثيرا واحتمال اللبس قويا. ولقد حفظت ببركة هذه المعجزة الربانية اللغة العربية- التي نزل بها- قوية مشرقة بكل ما وصلت إليه من سعة وبلاغة ودقة ونفوذ وعمق ونصاعة وضوابط لتظل لغة الأمة العربية الفصحى في كل صقع وواد، وفي كل دور وزمان، وهو ما لم يتيسر للغة أمة من أمم الأرض، ولتكون إلى ذلك لغة عبادة الله لجميع الأمم الإسلامية المنتشرة في أنحاء الأرض خلال ثلاثة عشر قرنا، ثم خلال القرون الآتية، بل ولتترشح لتكون لغة العالم الإسلامي بل لغة الإنسانية حينما يأذن الله بتحقيق وعده وإظهار الإسلام على الدين كله كما جاء في آيات عديدة، منها آية سورة الفتح هذه: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨).
وحفظت ببركتها الأمة العربية قوية الحيوية صامدة أمام ما وقع عليها من