بدأت السورة بحرفي الحاء والميم كسابقتها وما قلناه في حرفي سابقتها نقوله هنا. وقد أعقبهما تنويه بكتاب الله تعالى وتقرير بكونه منزلا من الرحمن الرحيم مفصل الآيات واضح البيان والغايات بلسان عربي لقوم يستطيعون أن يفهموه ويدركوا ما احتواه ليكون لهم بشيرا ونذيرا. ثم أعقب ذلك تنديد بالكفار الذين أعرضوا عنه ولم يستمعوا له وكانوا يقولون للنبي ﷺ إن قلوبنا محجوبة فلا يتسرب إليها شيء مما تدعونا إليه، وإن في آذانهم صمما يجعلهم لا يسمعون ما يتلوه عليهم وإن بيننا وبينك سدا لا ينفذ إلينا منه شيء من أقوالك ونذرك، وإنهم ثابتون مصرون على ما هم عليه فليفعل ما يشاء. وقد أمر النبي ﷺ بالرد عليهم فيها بقوله لهم إنه بشر مثلهم يوحى إليه أن إله الناس جميعا واحد، وإن كل ما عليه أن يدعوهم إليه وإلى السير في طريقه المستقيم والاستغفار عما بدا منهم من ذنوب وأخطاء، وأن ينذر المشركين الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يؤتون زكاة أموالهم بالويل وأن يبشر المؤمنين الذين يعلمون الصالحات بأجر الله الدائم.
والآيات كما هو المتبادر بسبيل حكاية موقف جدلي حجاجي بين النبي ﷺ والمشركين، وبدء السورة بمثابة مقدمة لحكاية هذا الموقف مما جرى عليه النظم القرآني.
ووصف سامعي القرآن بوصف لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) ينطوي على صورة لما كان عليه المخاطبون العرب أو زعماؤهم ونبهاؤهم على الأقل من الفهم والإدراك.
وينطوي على الأقل على تقرير كونهم يفهمون اللغة القرآنية ومعاني الآيات القرآنية.
ولذلك جاءت الآيات التالية للآية الثانية التي احتوت هذه الجملة تعلل موقفهم بكونه موقف المكابر العنيد المتصامم عن قصد وتصميم.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق الآية الأخيرة وتوضيحا لمدى جملة لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) حديثا عن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله ﷺ إنّ العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثمّ مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إليّ». حيث ينطوي في الحديث