بالعدل والإنصاف مع الذين لا يدينون بالإسلام وبتركهم وشأنهم إذا ما التزموا نفس الموقف إزاء المسلمين وتفوض أمر الجميع إلى الله عز وجل ليؤيد من كان على الحق وثبت فيه، ويخزي ويعاقب من انحرف عنه. وفي هذا ما فيه من اتساق مع المبادئ القرآنية المحكمة والتلقين الجليل المستمر المدى.
وفي أمر الله للنبي ﷺ بالقول إنه أمر بإعلان إيمانه بكل ما أنزل من كتاب وبأن ربه وربهم واحد بعد أن قررت الآيات السابقة لهذه الآية وحدة المنبع والمنهج بينهم هدف عظيم المدى وهو فتح باب اللقاء والتفاهم على مصراعيه بين أهل القرآن وأهل الكتب السابقة ليتكون منهم جبهة واحدة متحدة في توحيد الله والدعوة إليه وإلى المبادئ السامية الأخلاقية والاجتماعية التي احتوتها كتب الله والتزامها تحت راية الإسلام التي هي راية أهل الكتاب وأنبيائهم معا تبعا لوصفهم بالإسلام والمسلمين في آيات كثيرة مكية ومدنية منها آيات سورة البقرة هذه:
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)، وكذا: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ...
[١٢٨]، وآية سورة آل عمران هذه: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠) وآية سورة المائدة هذه: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١)، وآية سورة يونس هذه: وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) وآية سورة القصص هذه: وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) وآية سورة الحج هذه: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ... «١» [٧٨].
ولقد ظلت أوامر القرآن بعد هذه الآية تترى على النبي ﷺ بإعلان ما أمر

(١) هناك آيات كثيرة أخرى من هذا الباب مكية ومدنية.


الصفحة التالية
Icon