ومما رواه الطبرسي في تفسيره (مجمع البيان) عن الحسن والجبائي وأبي مسلم أن معنى الآية: «لا أسألكم أجرا إلا التواد والتحابب وما يقرب إلى الله من العمل الصالح» أو «التقرب إلى الله والتودد إليه بالطاعة». كما روى عن ابن عباس أنها تعني: «لا أسألكم إلّا أن تودّوني في قرابتي منكم وتحفظوني لها». وعن قتادة ومجاهد: «أن تودوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم». وعن سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وأبي جعفر وأبي عبد الله: «أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم». وعن الحسن: «إنّا أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم فقال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى». وعن ابن عباس: «لما نزلت الآية قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودّتهم؟ فقال: هم عليّ وفاطمة وولدهما» «١».
وتعليقا على ما تقدم نقول: أما من ناحية مدنية الآية فالملحوظ أنها متصلة أوثق اتصال بالآية السابقة لها نظما وموضوعا. وهذا ما يلحظ أيضا بالنسبة للآيتين التاليتين لها اللتين ذكرت الروايات أنهما مدنيتان مثلها، ويلحظ أن رواية نزولها في المدينة معزوة إلى ابن عباس الذي رويت روايات عديدة عنه في تأويل الآية تأويلا يصرفها عن قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها حديث صحّ عند البخاري والترمذي وليس يخفى ما في رواية نزولها في المدينة من غرابة بل وتهافت وقصد تلفيق وتطبيق.
ولعل قصد صرف الآية إلى أقارب رسول الله ﷺ ذو صلة بها لأن ذلك يكون ممتنعا البتة في حالة مكية الآية حيث كان أكثر أقارب رسول الله ﷺ في العهد المكي ومنهم أعمامه أبو طالب وأبو لهب والعباس كفارا، ولم تكن فاطمة رضي الله عنها قد تزوجت، ولم يكن الحسن والحسين قد ولدا بعد. ولذلك فنحن نشك في رواية مدنية الآية والآيتين التاليتين لها. وأما من ناحية صرف الآية إلى أقارب

(١) علق ابن كثير على هذه الرواية بقوله: إسناد ضعيف فيه مبهم لا يعرف عن شيخ شيعي مخترق وهو حسين الأشقر ولا يقبل خبره في هذا المحل والآية مكية ولم يكن لفاطمة إذ ذاك أولاد.


الصفحة التالية
Icon