ذلك» «١». وحديث رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر قال: «جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله كم تعفو عن الخادم؟ فصمت، فأعاد الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: في كلّ يوم سبعين مرة» «٢». وحديث رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله» «٣».
هذا، ولقد زعم بعض الأغيار أن فكرة الجهاد في الإسلام إنما وجدت في العهد المدني وأن مبادئ العفو والتسامح مع غير المسلمين إنما نزلت في العهد المكي ثم أهملت في العهد المدني. وهذا تجنّ وخطأ معا، فالذي ينعم النظر في هذه الآيات يرى فيها نواة فكرة الجهاد على نفس الأسس التي قام عليها تشريع الجهاد في القرآن المدني على ما شرحناه في سياق تفسير سورة (الكافرون) وهي قتال المعتدي ودفع البغي وتأمين حرية الدعوة الإسلامية وعدم الإسراف في المقابلة بالمثل. كما أن الذي ينعم النظر في كثير من الآيات المدنية يجد أن الباب ظل كما هو الحال في القرآن المكي مفتوحا دائما للتائبين والمنيبين والمنتهين عن مواقفهم الجحودية العنيدة المؤذية، وأن القرآن المدني حثّ في كثير من آياته على العفو والتسامح والغفران والوفاء بالوعود والعهود والعدل والبرّ مع غير المسلمين الموادين والمسالمين «٤».
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦)

(١) التاج ج ٥ ص ٩ و ١١ و ٤٦. (الملّ: الرماد الحار).
(٢) التاج ج ٥ ص ٩ و ١١ و ٤٦. (الملّ: الرماد الحار).
(٣) التاج ج ٥ ص ٩ و ١١ و ٤٦. (الملّ: الرماد الحار).
(٤) انظر مثلا آيات سورة البقرة [١٠٨] والنساء [٢٦ و ٩٠ و ٩٤ و ١٤٥ و ١٤٦] والمائدة [٢ و ٨ و ٢٣ و ٣٢- ٣٣ و ٤٢] والأنفال [١٨ و ٣٨- ٣٩ و ٦١- ٧٢] والتوبة [٤ و ٧] والممتحنة [٨- ٩].


الصفحة التالية
Icon