والأولى الذي تلهمه الآية نفسها بمقارنتها بآيتي البقرة وسورة القدر. ويلحظ أن الأحاديث المساقة عن ليلة نصف شعبان ليس فيها إشارة صريحة إلى نزول القرآن فيها، وهذا ما جعلنا نقول إنهم استأنسوا بها استئناسا، هذا مع التنبيه على أنها لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولقد أنكر ابن كثير قول من قال إنها ليلة نصف شعبان وقال إن الذين يقولون ذلك قد أبعدوا النجعة وإن نص القرآن يؤيد أنها ليلة القدر في رمضان وأن الحديث النبوي عن ليلة شعبان مرسل ومثله لا يعارض به نص ثابت «١».
ولقد أعاد بعض المفسرين «٢» القول في مناسبة هذه الآية بأن الضمير في أَنْزَلْناهُ عائد إلى جميع القرآن حيث أنزل جميعه إلى سماء الدنيا ثم صار ينزل على النبي ﷺ منجما كما روي عن ابن عباس. وقد أورد الطبري في سياق هذه الآية رواية نزول صحف إبراهيم في أول رمضان والتوراة في السادس منه، والزبور في السادس عشر، والإنجيل في الثامن عشر، والفرقان في الرابع والعشرين. وقد علقنا على هذا بما فيه الكفاية في سياق تفسير سورة القدر فلا نرى حاجة إلى إعادة أو زيادة.
والوصف الذي وصفت به هذه الليلة التي هي على الأرجح ليلة القدر في أواخر شهر رمضان في الآيات [٣- ٤] من السورة قد يؤيد ما قلناه في سياق تفسير سورة القدر من أن تسمية (ليلة القدر) هي تسمية علمية وأنه كان لهذه الليلة خطورة دينية ما في أذهان السامعين.
هذا، ونقول- تعليقا على ما روي من تقدير الآجال والأرزاق وقضاء الأقضية من سنة إلى سنة في ليلة النصف من شعبان أو في ليلة القدر وما اعتاده المسلمون من الاحتفال بليلة النصف من شعبان وقراءة أدعية خاصة فيها- إن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة الإسناد ولا تظهر حكمة الله فيها، ويجب التحفظ إزاءها.
وإن الاحتفال بليلة النصف من شعبان ليس له أصل ثابت من سنة نبوية ولا صحابية.

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي والخازن.
(٢) انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي والخازن. [.....]


الصفحة التالية
Icon