(التبس عليهم الأمر فألبسهم الله ما ألبسوه لأنفسهم من الشك في كون رسل الله إليهم بشرا مثلهم).
تعليق على طلب «الكفار استنزال الملائكة وردّ القرآن عليهم»
في الآيات حكاية تحدّ للكفار يطلبون به أن ينزل على النبي ﷺ ملك يؤيد صلته بالله. وردّ عليهم أولا: بأن الله تعالى لو أنزل ملكا لكان في ذلك إيذان بحلول أجلهم وقضاء أمر الله فيهم، وحينئذ لا يبقى إمكان لإمهالهم وينصب عليهم البلاء والتدمير. وثانيا: بأن حكمة الله لو اقتضت إنزال ملك لجاءهم على صورة رجل، وحينئذ لا تكون المشكلة قد حلت إذ يكون التبس الأمر عليهم ولم يروا ما طمعوا في رؤيته على حقيقته. ووقعوا في الشك الذي وقعوا فيه حينما شكوا في أن يرسل الله رسولا من البشر فكانوا سببا في إلباس الله لهم ما ألبسوه لأنفسهم بهذا الشك.
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد المحكي قولهم في الآية الأولى.
ويلحظ شيء من الفرق بين أسلوب هذه الآية وأسلوب الآية السابقة لها حيث جاءت الآية السابقة بأسلوب المفروض من موقفهم إذا أنزل الله على النبي ﷺ كتابا في قرطاس في حين جاء أسلوب هذه الآية حكاية لطلب وتحدّ من بعض الكفار.
وحيث يسوغ هذا أن يقال إن الآيات بسبيل حكاية موقف تحدّ وجدل وجاهي والرد عليه. وإذا صح هذا تكون الآيات السابقة مقدمة لهذا الموقف، على أن احتمال كون الآيات استمرارا للسياق السابق بسبيل حكاية مواقف الكفار وتحدياتهم المتكررة واردا أيضا وفي هذه الحالة يكون ما حكته من تحدّ قد سبق نزول السورة فأشير إليه في معرض حكاية مواقف الكفار وتحدياتهم.
ولقد تكررت حكاية طلب الكفار استنزال الملائكة ومرت أمثلة من ذلك في السور التي سبق تفسيرها التي سبقت هذه السورة مباشرة على التوالي أي سور الحجر وهود ويونس ثم في سورتي الإسراء والفرقان قبلها. حيث يدل هذا على ما ذكرناه في سياق سورة المدثر من الجزء الكبير الذي كان يشغله الملائكة في أذهان