خطر بباله أن يستجيب إلى طلبهم وأن عمر بن الخطاب اقترح عليه ذلك ليظهر مدى موقف الزعماء وأن النبي همّ بأن يكتب لهم عهدا بذلك فأنزل الله الآيات.
وهناك رواية تذكر أن الذين طلبوا بعض هذه المطالب هم زعيما قبيلتي تميم وبني فزارة. وهناك رواية تذكر أن بعض أصحاب رسول الله ﷺ اقترفوا ذنوبا كبيرة فجاؤوا إلى النبي نادمين فلم يرد عليهم فأنزل الله الآية [٥٤] ومقتضى هذه الرواية أن هذه الآية نزلت لحدتها مع أنها منسجمة جدا بما قبلها وبعدها. على أن هناك حديثا ذكره مسلم عن سعد جاء فيه: «كنّا مع رسول الله ستة نفر فقال المشركون للنبي اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسميهما، فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله وحدّث نفسه فأنزل الله عز وجل وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ... [٥٢] إلخ «١».
ومهما يكن من أمر فالآيات تنطوي على صورة من صور السيرة النبوية.
فكثير من الذين آمنوا في أول الأمر كانوا من الفقراء والمساكين، فكان زعماء الكفار يتخذونهم موضوع سخرية ويعدونهم مظهرا من مظاهر إخفاق النبي ﷺ في نشر دعوته. وكان بعضهم يتحججون بهم في عدم الاستجابة لئلا يكونوا معهم في مستوى واحد، ويطلبون من النبي ﷺ طردهم من مجلسه حينما يريدون أن يجتمعوا به أو يريد أن يجتمع بهم. ومضمون الآيات قد يلهم أن موقف زعماء الكفار كان يؤثر في نفس النبي ﷺ بعض الشيء، ويوجد فيه أملا في اهتداء زعماء الكفار ويجعله يتشاغل عن تلك الطبقة أو يهملها أو يفكر في إقصاء من يكون في مجلسه منها أحيانا انسياقا وراء هذا الأمل. فنبه في الآيات إلى ما في هذا من خطأ، كما عوتب على موقف مثل هذا الموقف في أوائل سورة عبس التي مرّ تفسيرها.
ولقد احتوت سورة الكهف آية فيها صراحة في هذا الباب وهي هذه:
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ
الجزء الرابع من التفسير الحديث ٧