ثمرات النخيل والأعناب حلال مطلقا. وأن هناك من قال إن كلمة السكر تعني المسكر ويدخل في شمول معنى الخمر الذي هو المسكر، وأن المقصود من الجملة القرآنية هو النبيذ المستخرج من تلك الثمرات الذي كان مسكرا وأن تحريم الخمر الذي يدخل في مشموله النبيذ المسكر إنما كان تشريعا مدنيا. وكان قبل ذلك مباحا يمارسه المسلمون وغيرهم. فلم يكن في ذكره تناقض مع الواقع.
والمتبادر أن القول الثاني هو الأوجه ولا سيما أن القرآن قرر قبل تحريم الخمر أنها كانت ذات منافع اقتصادية في بيئة النبي عليه السلام كما ترى في آية سورة البقرة هذه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [٢١٩]، وهذه الآية نزلت قبل الآية التي نهت عن الصلاة في حالة السكر في آية سورة النساء هذه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ [٤٣]، ثم قبل الآيات التي تضمنت تحريم الخمر وهي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ سورة المائدة [٩٠- ٩١] حيث تدل هذه الآيات على أن الخمر كان مما يمارسه المسلمون شربا وتجارة.
ويكون بناء على ذلك لا وجه لإباحة النبيذ المسكر استنادا على آية النحل التي نحن في صددها.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن ما يستخرج من ثمرات النخيل والأعناب من شراب غير مسكر مباح ولو سمّي نبيذا. لأن النبذ لغة هو نقع ثمرات النخيل والأعناب في الماء. وكان النبي ﷺ يشرب هذا النقيع على ما يستفاد من حديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس جاء فيه أنه كان ينقع لرسول الله ﷺ الزبيب مساء فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقى أو يهراق «١». ومن حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة جاء فيه: «كنّا ننبذ للنبي ﷺ في

(١) انظر التاج ج ٣ ص ١٣٢.


الصفحة التالية
Icon