مرة) ومنها هذا النص (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون. والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) ومنها سورة برمتها كانت تتلى في القنوت في الوتر وتسمى سورة الحفد والخلع.
وليس ما أوردناه من أمثلة هي كل ما روي عن الناسخ والمنسوخ في القرآن. فهناك أولا روايات كثيرة جدا غير ما أوردناه وبخاصة في نسخ أحكام آيات بآيات أخرى وهناك ثانيا اختلاف بين أهل التأويل والاستنباط وعلماء القرآن ومفسريه حيث يثبت بعضهم نسخا فينكره بعضهم بالنسبة لكثير من روايات الناسخ والمنسوخ «١». وقد اعتنى بعضهم بهذا الأمر لما له من صلة بالتشريع الإسلامي والتنزيل القرآني وأدى ذلك إلى تصنيف مصنفات عديدة فيه «٢».
ولقد جاء جذر النسخ في القرآن في معنى الإزالة كما هو في آية سورة البقرة [١٠٦] التي أوردناها قبل وكما هو في آية سورة الحج هذه: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ [٥٢] وفي معنى آخر وهو التسجيل والكتابة كما جاء في آية سورة الجاثية هذه: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) وآية سورة الأعراف هذه: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤). وواضح أن موضوع الكلام هو المعنى الأول. غير أن الذين قالوا بجواز النسخ في القرآن لم يقفوا فيه عند هذا المعنى الذي ينطبق على نوع واحد من أنواع الأمثلة المتقدمة وهي رفع النصّ القرآني بالمرة. بل جعلوه شاملا للتعديل الذي شاءت حكمة الله إدخاله على

(١) انظر الأبواب الثاني والثالث والرابع من كتاب النسخ في القرآن للدكتور مصطفى أبي زيد.
(٢) انظر الباب الثاني من الكتاب نفسه.


الصفحة التالية
Icon