أناب، على ما تكررت الإشارة إليه في المناسبات العديدة المماثلة. والراجح أنها هنا على سبيل تطمين النبي عليه السلام وتسليته. فمهمته هي مهمة الرسل من قبله، وهي التبيين فمن كانت فيه رغبة صادقة بالإيمان والإنابة اهتدى ومن فقدت فيه ضلّ فلا موجب لاهتمامه وحزنه. وقد تكرر هذا كذلك في سور عديدة لتكرر المواقف الداعية إليه.
تعليق على جملة وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ
وإشكال الفقرة الأولى آت من إيهامها أن رسالة النبي محمد ﷺ إلى قومه وحسب في حين أن القرآن احتوى آيات كثيرة فيها صراحة قطعية على أنها لعموم البشر ومرشحة لتكون دين العالم أجمع على ما ألمعنا إليه آنفا. غير أن ما احتوته الآيات التالية من التمثيل والتذكير والموعظة أولا وكون السياق هو في نطاق الحملة الموجهة إلى كفار قوم النبي مباشرة يزيلان هذا الإشكال. ولقد كان العرب يحاجون في كون القرآن باللغة العربية في حين أن الكتب السماوية المعروفة بغير هذه اللغة، ويحاولون أن يدللوا بذلك على أن القرآن ليس من عند الله، على ما شرحناه في سياق تفسير سورة فصلت، فاقتضت حكمة التنزيل على ما هو المتبادر الإيحاء بالآية للتعليل والإفحام الجدلي.
وقد مرّ في سورتي الشورى والأنعام آيات تذكر أن الله أنزل الكتاب على نبيه عربيا لينذر أم القرى ومن حولها. وهذه من هذا الباب. وليس من شأنها أن تتعارض مع الآيات الصريحة القطعية بعموم الرسالة المحمدية.
ومن عجيب الأقوال التي قيلت في صدد التوفيق بين جملة وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ وبين عموم الرسالة ما أورده السيوطي في الإتقان نقلا عن الواسطي أن في القرآن جميع لهجات العرب في الحجاز واليمن والشام والعراق ونجد واليمامة «١» كما أن فيه من اللغات الفارسية والرومية والقبطية