فيما ذكر من عبادتهم وتسبيحهم الدائم لله تنبيه الكفار وتكبيتهم على ما هو الراجح. فإذا كانوا هم يستكبرون عن عبادة الله وينأون عن دعوته فالملائكة الذين يشركونهم معه في العبادة والدعاء لا يستكبرون عن ذلك وهم دائبون عليه في الليل والنهار. وقد تكرر هذا في آيات عديدة مرّ بعضها، وفي الآيات التي تأتي بعد قليل قرينة مؤيدة لذلك.
ولقد ذكر بعض المفسرين «١» أن اللهو المذكور في الآية الثانية يعني اتخاذ الزوجة أو الولد وأن فيها ردّا على عقيدة النصارى. ومنهم من قال «٢» عزوا إلى ابن عباس إن اللهو هو المرأة والولد. وروح الآيات ومضمونها وسياقها لا تساعد على تصويب ذلك. وتسوغ القول إن اللهو هنا بمعنى العبث أو ضد الحق والحكمة وإن الآيات بسبيل تقرير كون الله لم يخلق الكون والناس عبثا ولا بد من محاسبتهم على أعمالهم. وذلك بسبيل الإنذار والموعظة والإفحام أيضا. وهذا المعنى بل والتعبير قد ورد في آيات سابقة يبرز فيها المعنى الذي ذكرناه مثل آية سورة [ص: ٢٧] وآيات سورة الدخان [٢٧- ٢٨].
ولقد روى الطبري في سياق الآيتين [١٩- ٢٠] حديثا عن قتادة جاء فيه:
«بينما كان النبيّ جالسا مع أصحابه إذ قال لهم تسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء يا نبيّ الله، قال: إني لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط وليس فيها موضع راحة إلّا وفيه ملك ساجد أو قائم». وقد أخرج هذا الحديث ابن أبي حاتم عن حكيم بن حزام على ما ذكره ابن كثير أيضا. فإذا صحّ ففيه إخبار غيبي نبوي متساوق مع صدى الآيتين. وروى ابن كثير في سياقهما أيضا عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام فقلت أرأيت قول الله تعالى عن الملائكة يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠) أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل فقال لي يا بني إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس
(٢) الخازن والزمخشري.