بما كان منهم من إثم وبغي وانحراف حيث لا ينفع الندم ولا يفيد الاعتراف والعويل. ولسوف يزن الله أعمال الناس بموازينه العادلة يوم القيامة. ويوفي كلا استحقاقه دون ما ظلم ولا إجحاف حتى لو كان مثقال حبة من خردل من خير وشرّ حوسب صاحبها عليها حسابا عدلا وكفى الله حسيبا فهو المحيط بكل شيء.
والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا كما هو ظاهر. وهي قوية نافذة استهدفت التذكير والموعظة وإثارة الخوف والارعواء في الكفار وتنبيههم إلى ما هم فيه من ضلال وما في اغترارهم بقوتهم وارتكانهم على شركائهم من سخف وباطل.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن ابن عباس وعلماء التابعين لمدى جملة أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها «١» من ذلك أنها بسبيل الإثارة إلى ما ينقص من بلاد الشرك والكفر بفتحها للنبي ﷺ وللمسلمين بعده. ومنها أنها بسبيل التذكير بموت الناس جيلا بعد جيل. ومنها أنها بمعنى ذهاب خيارها وفقهائها أو بركتها. ومنها أنها بمعنى ما يطرأ على البلاد من خراب ودمار.
ويتبادر لنا أن كل هذه الأقوال لا تتسق مع مقام الجملة وظرف نزولها وأن المتسق مع ذلك هو ما ذكرناه في شرحها بقصد لفت نظر الكفار الذين هم موضوع السياق إلى ما كان يوقعه الله من تدمير وتخريب وإهلاك للأقوام الذين وقفوا من أنبيائهم موقفهم من النبي ﷺ وبلادهم على سبيل الإنذار والتحذير. وهي من باب آية سورة طه هذه: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨). ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية [٤٧] حديثا رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «قال رسول الله ﷺ إنّ الله عزّ وجل يستخلص رجلا من أمّتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة