ومع ما قلناه من أن بعض علماء أصحاب رسول الله ﷺ وتابعيهم لم يأخذوا خبر كلام النبي ﷺ مع الجن وسماعه لهم ورؤيته إياهم قضية مسلمة فإن من الحق أن يقال إن في الأحاديث التي أوردناها ما يفيد ذلك. ولقد أوردنا حديثا صحيحا آخر في سياق الآية [٣٥] من سورة (ص) فيه خبر رؤية النبي ﷺ لعفريت من الجن أيضا. ولقد علقنا على هذا الأمر بما رأيناه كافيا وما قلناه هناك يصح قوله هنا، والله تعالى أعلم.
هذا، ومما هو جدير بالتنبيه أن فحوى هذه الآيات يلهم أن النفر المستمع كانوا ممن يؤمنون بالتوراة وبالتالي كانوا على الدين اليهودي في حين أن الذين حكي استماعهم للقرآن في سورة الجن كانوا- على ما تلهمه آيات هذه السورة ونبهنا عليه- على الدين النصراني. وهكذا تستحكم الحجة وقوة الإلزام على الكفار ويظهر وجه آخر من وجوه حكمة التنزيل القرآني فلقد آمن برسالة النبي ﷺ فريق من يهود الإنس ونصاراهم مما ذكرته إحدى آيات السورة وآيات أخرى في سور سابقة، منها القصص والإسراء، وشهدوا بأن القرآن حق منزل من الله وآمن بها فريق من يهود الجن ونصاراهم، وشهدوا بأن القرآن حق منزل من الله كذلك، فإصرار كفار العرب بعد هذا كله على موقفهم ضلال بيّن ومكابرة ظاهرة.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥)
. (١) ولم يعي: ولم يتعب.
(٢) أولو العزم: المتصفون بقوة النفس والعقل والإرادة. وقد صار هذا


الصفحة التالية
Icon