ومنها أن القرى التي أهلكها الله لا يبقى منهم أحد وفي هذا تخويف لأهل مكة.
والتأويل الأخير وتعليله هما الأوجه فيما يتبادر لنا. وقد خطر لنا تأويل آخر أن القرية التي حقّ عليها القول قد فاتتها الفرصة فلم يبق لها مجال لرجوع وتوبة. وفي هذا كذلك إنذار وتخويف لكفار العرب.
والآيات جاءت معقبة على الآية السابقة كما هو المتبادر وقد توخى فيها على ما تلهمه روحها تثبيت النبي ﷺ والمؤمنين وتبشيرهم وتطمينهم بحسن العاقبة مع تنبيه وإنذار للكفار بأنهم يوشكون أن يضيعوا الفرصة فيندمون ولات ساعة مندم.
وهذا التنبيه والإنذار قد انطويا في آيات عديدة ومرّت أمثلة منها في سور سابقة.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧)
. (١) من كل حدب: من كل مرتفع والمقصد من كل جهة.
(٢) ينسلون: يأتون ويسرعون.
في الآيتين توكيد لإنذار الكفار الذي رجحنا أن الآية السابقة لهما قد تضمنته ووصف لما ينتظرهم من هول يوم القيامة: فحينما يحين الموعد المعين في علم الله لقيام الساعة وتبدو علائمها التي منها انفتاح يأجوج ومأجوج وزحفهم من كل ناحية أو إلى كل ناحية يكون قد اقترب تحقيق وعد الله. ولسوف تشخص حينئذ أبصار الكفار ذهولا وهلعا فيأخذون في العويل والندم لأنهم لم يحسبوا حساب هذا اليوم وغفلوا عنه ويعترفون بأنهم كانوا آثمين ظالمين.
والآيات متصلة بالسياق السابق كما هو المتبادر، والمتبادر كذلك أن الكلام في الآية الأولى متصل بالسد الذي أنشأه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج والذي ذكر في سورة الكهف ووردت الأحاديث بأن انهياره وخروج يأجوج ومأجوج منه