يمت إلى التنزيل المكي وظروفه وهذا ما يحمل على الشك في ذلك.
ولقد ذكر بعض المفسرين «١» أن تعبير بَلاغٌ قد قصد به تقرير كون القرآن أو الإنذار الذي احتواه هو بلاغ للسامعين أو ما أمر النبي ﷺ بتبليغه. وما حملناه عليه وأولناه به قد قال به مفسرون آخرون «٢» والتعبير وروح الآية يتحملان المدلولين ونرجو أن يكون المعنى الذي رجحناه مع مفسرين آخرين هو الصواب إن شاء الله.
لقد تعددت روايات المفسرين وأقوالهم في أولي العزم من الرسل. فروى البغوي عن ابن زيد: أن كل الرسل كانوا أولي عزم وأن الله لم يبعث نبيا إلّا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل وأن (من) إنما دخلت على الكلمة للتجنيس لا للتبعيض. غير أن هذا المفسر قال إلى هذا أن بعضهم قال: إن جميع الأنبياء أولو عزم إلّا يونس بدليل أن الله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ...
الآية [٤٨] سورة القلم. وأن قوما قالوا: هم نجباء الرسل الثمانية عشر المذكورون في سورة الأنعام والذين وصفوا في الآية الأخيرة من سلسلتهم أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [٩٠] وأن الكلبي قال: إنهم الذين أمروا بالمكاشفة على أعداء الدين وجهادهم وأن هناك من قال إنهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وهم المذكورون على النسق في سورتي الأعراف والشعراء وأن ابن عباس وقتادة قالا: هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أصحاب الشرائع وهناك من أدخل يوسف وأيوب في عداد أصحاب العزم. وقال ابن كثير: إن أشهر الأقوال إنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم الذين ذكروا معا في آيتين من سورتي الأحزاب والشورى. وقال الطبرسي: إنهم الذين شرّعوا الشرائع وأوجبوا على الناس الأخذ بها والانقطاع عن غيرها. ومع أن قول ابن زيد الذي رواه البغوي سديد فإن هذه المسألة لا يصح الجزم فيها إلّا بأثر نبوي وليس هناك مثل هذا الأثر.
(٢) انظر تفسير الطبري والطبرسي.