وهناك حديث صحيح رواه مسلم عن أبي هريرة جاء فيه: «من أتى عرّافا أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمّد» «١». والحديث وإن لم يذكر حكم الكاهن فالمتبادر أنه يشمله ضمنا. وكفر الذي يأتي الكاهن هو من كونه جاء إليه وهو يعتقد باطلاعه على الغيب وقدرته على النفع والضرّ. وهذا وذاك من خصائص الله تعالى ويكون الذي يعتقد بذلك في الناس مشركا بدون ريب. والكاهن بنصبه نفسه لهذه المهمة صار أولى أن يتّصف بهذا الوصف. والله تعالى أعلم.
هذا، ولقد روي عن ابن إسحاق أن الكهانة عند الجاهليين كانت بمثابة الأحبار والرهبان عند اليهود والنصارى، وهذا خطأ فيما هو المتبادر فإن الأحبار والرهبان عند اليهود والنصارى يتصفون بصفة دينية ويمارسون مهامّ دينية في حين أنه لم يرو أحد عن كهان العرب شيئا من ذلك.
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٣٥ الى ٤٣]
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩)
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣)
. (١) مغرم: أجر أو تكليف أو ضريبة.
(٢) يكتبون: هنا بمعنى يحكمون ويقضون.
وفي هذه الآيات أسئلة استنكارية أخرى فيها كذلك تنديد بعقائد الكفار

(١) التاج ج ٣ ص ٢٠١، ويروي مؤلف التاج صيغة أخرى رواها الإمام أحمد جاء فيها: «من أتى عرّافا فسأله أو كاهنا فصدقه لم تقبل صلاته أربعين ليلة» وفرق عظيم في الحكم في الصيغتين. والأحاديث التي يرويها مسلم هي أصحّ وأوثق عند علماء الحديث. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon