جملة وَالْجِبالَ أَرْساها أن النبي ﷺ قال: «لمّا خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرّت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت يا ربّ فهل من خلقك شيء أشدّ من الجبال؟ قال: نعم، الحديد. قالت: يا ربّ، فهل من خلقك شيء أشدّ من الحديد؟ قال: نعم، النار. قالت: يا ربّ، فهل من خلقك شيء أشدّ من النار؟ قال: نعم، الماء. قالت يا ربّ فهل من خلقك شيء أشدّ من الماء؟ قال نعم، الريح. قالت: يا ربّ، فهل من خلقك شيء أشدّ من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم يتصدّق بيمينه يخفيها عن شماله». وأورد الطبري في سياق الجملة حديثا عن علي جاء فيه: «لما خلق الله الأرض قمصت وقالت تخلق عليّ آدم وذريته يلقون عليّ نتنهم ويعملون عليّ بالخطايا فأرساها الله فمنها ما ترون ومنها ما لا ترون فكان أول قرار الأرض كلحم الجزور إذا نحر يختلج لحمها».
والحديثان لم يردا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومهما يكن من أمر فإن حكمة التنزيل اقتضت أن يذكرا للسامعين هنا. وفي المناسبات العديدة السابقة ما للجبال من تأثير في ثبات الأرض اتساقا. مع ما في أذهانهم من ذلك والله أعلم بسبيل التنبيه على كون الله تعالى قد أحسن كل شيء خلقه وإيجاب الإيمان به والاتجاه إليه وحده وشكره على ما يتمتعون به من أفضاله. وإذا صحّ الحديث النبويّ فيكون في ذلك حكمة سامية. ولعلّ من هذه الحكمة ما جاء في آخره من تعظيم التصدّق خفية على المستحقين.
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٣٤ الى ٤١]
فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١)
. (١) الطامّة: هي البلاء العام الذي لا يدفع. وهي هنا كناية عن يوم القيامة.
(٢) آثر: فضّل.