في سياق سورة مريم «١». وإلى هذا ففي الآيتين [٢٣ و ٢٤] تلقينات مهمة إيمانية وسلوكية للمسلمين وقد أفردنا لهما بفقرة خاصة تأتي فيما بعد.
ولقد تخلل الآيات جريا على الأسلوب القرآني مقاطع متصلة كذلك بالهدف التدعيمي الذي نوهنا به آنفا سواء فيما كان من الثناء على الفتية أم في شمول رحمة الله لهم أم في التنديد بالذين اتخذوا من دون الله آلهة كذبا وافتراء.
والآية الأولى التي جاءت كمقدمة قد تضمنت معنى التنبيه على القصة وما فيها من مشهد قدرة الله وكون ذلك من آيات الله التي تبدو للناس عجيبة. فكأنما أريد أن يقال إن وقوع ما يبدو عجيبا لكفار العرب من شأنه أن يقنعهم بإمكان وقوع ما ينذرون به مما هو مماثل له في صدد قدرة الله تعالى، وفي هذا ما فيه من معنى التدعيم أيضا.
والآيات الأخيرة من السلسلة يمكن أن يلمح فيها أن الإيحاء بآيات القصة قد استهدفت هذا التدعيم في الدرجة الأولى. فالناس يتناقشون في عدد الفتية فيؤمر النبي ﷺ بألا يهتم لهذا النقاش كثيرا وألا يماري فيهم إلا مراء ظاهرا، ويتناقشون في عدد السنين فيؤمر النبي ﷺ بأن يكل ذلك إلى علم الله الذي يعلم غيب السموات والأرض والمتصف بأكمل صفات السمع والبصر والذي ليس لأحد من دونه ولي حقيقي وليس له في ملكه وحكمه شريك ويؤمر كذلك بعدم التعمق في الأمر وعدم استفتاء الغير فيه.
ولقد نقل الطبري وغيره عن قتادة أحد علماء التابعين أن تعبير وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) وهو ما ورد في الآية [٢٥] هو حكاية لقول أهل الكتاب، فأمر النبي ﷺ بالرّد عليهم بأن الله تعالى هو الأعلم بما لبثوا، ونرى هذا وجيها ومتسقا مع أسلوب العبارة القرآنية حيث تكون الآية [٢٥] تتمة للكلام السابق للآية [٢٣] وتكون الآيتان [٢٣ و ٢٤] اللتان ليستا من سياق القصة قد جاءتا لتنبيه النبي ﷺ إلى ما يجب عليه مما سيكون موضوع تعليق آخر