مسايرة الزعماء في بعض ما يقترحونه. ثم تنويها بالمؤمنين وتقريرا لرفعة شأنهم عند الله ولكون فضيلة الإيمان والعمل الصالح هي أعظم الفضائل وأن الذين يتحلون بها هم عند الله أفضل وأولى بالرعاية، ويجب أن يكونوا كذلك عند النبي ﷺ وفي المجتمع الإسلامي. ولقد اجتهد النبي ﷺ في موقفه اجتهادا يمتّ إلى هذا الأمر خلافا للأولى قبل أن ينزل وحي به فعوتب على ذلك على ما شرحناه في سورة عبس حيث يبدو في كل هذا تلقين جليل مستمر المدى ومبدأ من مبادئ القرآن المحكمة يلمح فيهما في الوقت نفسه عدم إقرار الفروق الاجتماعية كظاهرة واجبة الرعاية في المجتمع الإسلامي. وإذا لحظنا أنه كان لهذه الظاهرة اعتبار عظيم في حياة الأمم وتقاليدها على اختلافها في عصر النبي ﷺ بدت روعة الهدف القرآني والمبدأ المحكم والتلقين الجليل اللذين ينطويان فيه، وبدا في هذا دليل لمن يعوزه الدليل على أن القرآن وحي من الله ينزل بما فيه الحقّ والحكمة ليصحح موقفا من المحتمل أن النبي ﷺ كان يجنح إليه خلافا للأولى بدافع حرصه المذكور آنفا. وتبدو هذه الروعة أيضا في حكمة تكرار التنزيل القرآني حيث كانت هذه هي المرة الثالثة التي يوحى فيها بآيات تقرر وتؤكد ذلك الهدى والمبدأ المحكم والتلقين الجليل اللذين ينطويان فيه.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٩ الى ٣١]
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)
. (١) سرادقها: السرادق كل ما له جهات أربع محيطة، والقصد هنا هو وصف شدة النار واشتغالها من كل ناحية.