قبلها. وهذا بالنسبة للسور الطويلة منها حتى التي فيها فصول تبدو غير مترابطة حيث إنها لا تخرج عما قلناه مما نبهنا عليه وأوردنا قرائنه في سياق تفسيرها. وهذا القول يكون أقوى بالنسبة للسّور الطويلة المسجعة منها التي تكون وحدة السبك والنظم فيها من دلائل هذه القوة. ويمكن أن يكون أقوى وأكثر بالنسبة للسور القصيرة والقصيرة جدا كما هو المتبادر باستثناء سورة العلق على التأكيد وسور القلم والمزمل والمدثر على الاحتمال، على ما شرحناه في سياق تفسيرها. يضاف إلى هذا أن السور المكية كانت قد تمت نزولا في آخر العهد المكي «١».
ولا يتعارض هذا مع ما هو محقق من إضافة بعض الآيات المدنية إلى بعض السور المكية إذ أن هذه الآيات قد أضيفت إلى مناسباتها على ما شرحناه في سياقها في سور المزمل والأعراف والشعراء، والله سبحانه وتعالى أعلم «٢».
أما ما روي عن تدوين القرآن أو جمعه في زمن أبي بكر وعثمان (رضي الله عنهما) فليس ذلك جمعا وتدوينا وترتيبا جديدا. فالقرآن كان مدونا ومرتبا وكان لكثير من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مصاحف. غير أن القرآن كان مفتوح الصحف لاحتمال نزول الوحي بقرآن جديد. فلما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يعد هناك احتمال لذلك رأى أبو بكر وعمر وكبار الصحابة أن يكون هناك مصحف إمام ليكون المرجع لما قد يكون من خلاف في المصاحف المتداولة فكتب هذا المصحف الذي بذلت الجهود العظيمة في كتابته وقورن وقوبل كل ما كان متداولا مخطوطا ومحفوظا من القرآن بسبيل ذلك «٣».
غير أن هذا على ما يظهر لم يحل المشكلة، لأن المسلمين كثروا وتفرقوا في البلاد وكانوا يكتبون مصاحفهم بخطوطهم. وكان يقع تباين في الكتابة وصار الناس في زمن عثمان (رضي الله عنه) يقرؤون قراءات متباينة نتيجة لذلك فرأى بعض كبار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلافيا لذلك أن يكتب المصحف من جديد بإملاء واحد
(٢) انظر كتابنا القرآن المجيد ص ٥٢- ١١٢ ففي هذه الصفحات بحث مسهب واستعراض للروايات والأحاديث واستدلالات من القرآن على صحة ما قررناه إن شاء الله.
(٣) انظر كتابنا القرآن المجيد ص ٥٢- ١١٢ ففي هذه الصفحات بحث مسهب واستعراض للروايات والأحاديث واستدلالات من القرآن على صحة ما قررناه إن شاء الله.