هذا، وننبه هنا بهذه المناسبة إلى ما نبهنا إليه في المناسبات السابقة من أن هذا إنما هو تسجيل لواقع أمر الكفار حينما نزلت الآيات وليس هو على سبيل التأييد لأن معظم الذين وصفوا به قد آمنوا فيما بعد في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأنه إنما يظل قائما بالنسبة للذين كفروا وماتوا وهم كفار.
وللشيخ محيي الدين بن العربي تفسير للآيتين جاء فيه: «يا محمد إن الذين كفروا ستروا محبتهم فيّ. دعهم فسواء عليهم أأنذرتهم بوعيدك الذي أرسلتك به أم لم تنذرهم لا يؤمنون بكلامك، لأنهم لا يعقلون غيري. وأنت تنذرهم بخلقي وهم ما عقلوه ولا شاهدوه. وكيف يؤمنون بك وقد ختمت على قلوبهم فلم أجعل فيها متسعا لغيري. وعلى سمعهم فلا يسمعون كلاما في العالم إلا مني وعلى أبصارهم غشاوة من بهائي عند مشاهدتي فلا يبصرون سواي. ولهم عذاب عظيم عندي.
أردهم بعد هذا المشهد السّنيّ إلى إنذارك وأحجبهم حتى كما فعلت بك بعد قاب قوسين أو أدنى. أنزلتك إلى من يكفر بك، ويرد ما جئت به إليه مني في وجهك وتسمع فيّ ما يضيق له صدرك. فأين ذلك الشرح الذي شاهدته في إسرائك، فهكذا رضائي على خلقي الذين أخفيتهم رضاي عنهم»
«١».
وفي هذا من الشطح الذي يقلب به معاني العبارة القرآنية ويبتعد بها عن معناها ودلالتها القطعية ما هو ظاهر أيضا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨ الى ١٥]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥).

(١) التفسير والمفسرون للذهبي ج ٢ ص ١٣ عزوا إلى تفسير ابن العربي المعروف بالفتوحات.


الصفحة التالية
Icon