إزاء الدعوة المحمدية حين نزولها وهم المؤمنون الصادقون والكافرون المكابرون، والمنافقون الكاذبون المخادعون.
والوصف القوي الذي وصف به المنافقون في الآيات، والتنديد الشديد الذي ندد بهم فيها، يدلان على ما كان لظهور هذه الطبقة من خطورة وأثر. ولقد احتوت آيات قرآنية كثيرة في سور مدنية عديدة صورا كثيرة متنوعة عن حركة النفاق والمنافقين، وما كانوا يقفونه من مواقف ضد الإسلام والنبي صلّى الله عليه وسلّم ومصلحة المسلمين كانت حقا شديدة الخطورة والأثر على ما سوف نشرحه في مناسباته.
ولقد كان منافقون من أهل المدينة ومنافقون من الأعراب، غير أن نفاق منافقي المدينة هو الأبكر والأشد خطورة وأثرا. والأرجح أن الآيات إنما عنت هؤلاء.
ولقد ذكر المفسرون «١» أن كلمة شَياطِينِهِمْ مصروفة إلى اليهود، وهو وجيه ومتسق مع مفهوم الآيات، حيث يفهم منها أن المنافقين شيء وشياطينهم شيء آخر، حتى ولو كانوا زعماءهم، بل إن العبارة تفيد أن الموصوفين هم من الزعماء مما فيه توكيد للتوجيه. وفي القرآن المدني آيات كثيرة تؤيد أن المنافقين وزعماءهم خاصة كانوا حلفاء مع اليهود ضد الدعوة الإسلامية، وأن اليهود كانوا يوسوسون للمنافقين ويوجهونهم في طرق الكيد والمكر والتشكيك. من ذلك آيات سورة النساء هذه: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩) «٢» وآيات سورة محمد هذه: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦)
«٣».
(٢) المقصود من الكافرين هنا اليهود. انظر تفسير الآية في تفسير الخازن مثلا.
(٣) هذه الآيات ليست كل ما ورد في هذا الصدد انظر آيات سورة المجادلة [١٤] وسورة الحشر [١١] وسورة المائدة [٥٢- ٥٣]. [.....]