صنعه وما يخفى عليهم من أسراره في خلقه ولا سيما عند الحيرة. والسؤال يكون بالمقال ويكون بلسان الحال. والتوجه إلى الله تعالى في استفاضة العلم بالمطلوب من ينابيعه التي جرت سنته تعالى بأن يفيض منها كالبحث العملي والاستدلال العقلي والإلهام الإلهي. وربما كان للملائكة طريق آخر لاستفاضة العلم غير معروفة لأحد من البشر فيمكننا أن نحمل سؤال الملائكة على ذلك.
٢- إذا كان من أسرار الله تعالى وحكمه ما يخفى على الملائكة فنحن أولى بأن يخفى علينا. فلا مطمع للإنسان في معرفة جميع أسرار الخليقة وحكمها لأنه لم يؤت من العلم إلّا قليلا.
٣- إن الله تعالى هدى الملائكة في حيرتهم وأجابهم عن سؤالهم لإقامة الدليل بعد الإرشاد إلى الخضوع والتسليم. وذلك بعد أن أخبرهم بأنه يعلم ما لا يعلمون ثم علّم آدم الأسماء كلها فعرضهم على الملائكة فعجزوا عن معرفة شيء منها.
٤- تسليته النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن تكذيب الناس، ومحاجتهم في النبوة بغير برهان على إنكار ما أنكروا وبطلان ما جحدوا. فإذا كان الملأ الأعلى قد مثلوا على أنهم يختصمون ويطلبون البيان والبرهان فيما لا يعلمون، فأجدر بالناس أن يكونوا معذورين، وبالأنبياء أن يعاملوهم كما عامل الله الملائكة المقربين وهذا الوجه هو الذي يبيّن اتصال هذه الآيات بما قبلها وكون الكلام لا يزال في موضوع الكتاب وكونه لا ريب فيه وفي الرسول وكونه يبلغ وحي الله تعالى ويهدي به عباده، وفي اختلاف الناس فيهما.
وفي كل هذا كثير من الصواب والوجاهة، وهو متسق مع ما فتئنا ننبه عليه في مختلف المناسبات السابقة.
وإذا كان من شيء يحسن أن يزاد إلى هذا فهو القول إن فحوى وروح المجموعتين يدلان على أنهما استهدفتا العظة والتدعيم للدعوة النبوية دون بيان


الصفحة التالية
Icon