ولقد استقرّ في الأذهان أن هذه التسمية هي للنحلة الموجودة في العراق الآن، والتي يطلق عليها اسم الصبّة الذي يظنّ أنه تحريف (الصبا) أو (الصبئة)، بل إن بعض المفسرين قالوا هذا فيما قالوه. ومعروف أن بين رجال الأدب العربي القديم أفراد مشهورون من هذه النحلة احتفظوا بنسبتهم إليها منهم أبو إسحاق الصابي. ولقد أورد بعض المفسرين «١» قصة حول هذه النحلة، وهي أن المأمون مرّ بقرية فيها طائفة تعبد الكواكب فأراد أن يعتبرها من المشركين وأن لا يقبل منهم الجزية، فقيل له: إنهم (الصابئون) المذكورون في القرآن مع اليهود والنصارى وينسحب عليهم ما ينسحب على هؤلاء، فأبقاهم على الذمة وأخذ منهم الجزية.
ونعتقد أن الربط بين صبّة العراق والصابئين في عهد المأمون وبعده وبين التسمية القرآنية وهم وتجوّز، أو بالأحرى تلفيق مرتجل بعد الإسلام.
إلى جانب هذا نذكر أن الكلمة اشتقاق عربي أصيل من صبا أو صبأ بمعنى مال وانحرف «٢»، وقد ورد اشتقاق منها في آية سورة يوسف هذه: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) بمعنى الميل أو الانحراف ونذكر كذلك أن العرب في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم كانوا يقولون للذي يفارق دين آبائه ويدخل في دين جديد (صابىء) وأنهم سموا النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا الاسم وسموا به المسلمين الأولين لأول عهد الإسلام. وكانوا ينعتونهم بالصبأة والصابئين. ولقد روى ابن هشام «٣» أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان يقول عن النبي إنه صابىء وإنه لما أسلم وجاء لأول مرة بعد إسلامه إلى فناء الكعبة قال المجتمعون: إن ابن الخطاب قد أقبل عليهم بوجه صابىء. وفي صحيح البخاري أن امرأة بدوية عبّرت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بقولها: (ذلك الذي يقولون عنه الصابىء). وفي «أسد الغابة» حديث عن الحارث الغامدي أنه رأى جماعة من

(١) المصدر السابق نفسه.
(٢) انظر لسان العرب.
(٣) ابن هشام ج ١ ص ٣١١.


الصفحة التالية
Icon