ولقد حمل الشيعة القول المروي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بأنه أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، على كون الخصومة التي يجثو لها هي مع الذين ناوأوه في حقّه من الإمامة. وهذا من غرائب تخريجاتهم، فعلي رضي الله عنه بايع برضائه وتعاون مع أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) مثل سائر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وما كان ليفعل ذلك لو كان يعتقد أن الله ورسوله قد قررا حقّ التقدم له في خلافة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وليس هو أضعف منهم عصبية وشخصية وما كان يمكن أن يقبل ذلك غالبية أصحاب رسول الله بل كلهم.
ونحب أن ننزهه عن القول المروي عنه. ونرجّح أن الهوى الحزبي قد لعب دوره فيه. فبالإضافة إلى الغرابة التي تبدو في التخريج، فإن القول بحدّ ذاته يبدو غريبا وغير مفهوم المدى.
ولقد روى الطبري والبغوي، كل بطريقه، عن أبي هريرة في سياق جملة يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ حديثا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الحميم ليصبّ على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلق ما في جوفه حتى يبلغ قدميه، وهو الصهر ثم يعاد إلى ما كان». وأورد ابن كثير في سياق جملة وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ حديثا رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو أنّ قمعا من حديد وضع في الأرض فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض». وحديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد أيضا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتّت ثم عاد كما كان، ولو أن دلوا من غسّاق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا». والحديث الأول رواه الترمذي أيضا «١» كما روى الترمذي الشطر الثاني من الحديث الثاني أيضا «٢».
ووصف هول العذاب الأخروي والتخويف منه مما يلمح من الحكمة في الحديثين. وهو ما يلمح من الحكمة في الآيات بالإضافة إلى وجوب الإيمان بما جاء

(١) التاج ج ٥ ص ٣٩٠ و ٣٩١.
(٢) المصدر نفسه.


الصفحة التالية
Icon