المسلمين من أداء صلاتهم عند الكعبة والحجّ إليها والطواف حولها. وقد ذكر هذا المفسّر الطبرسي في سياق تفسيرها. ولقد أشارت إحدى آيات سورة العلق إلى محاولة منع أحد الزعماء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الصلاة عندها على ما شرحناه في سياق تفسيرها كما أن بعض الروايات ذكرت محاولات الكفار في ذلك منها رواية عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) جاء فيها أن المسلمين ما كانوا يجرأون على الصلاة عند الكعبة والطواف حولها إلّا بعد إسلام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بسبب ضعفهم وصدّ المشركين لهم عن ذلك «١». وفي حالة صحة الاحتمال الثاني الذي انفرد المفسر ابن كثير فيه يكون في الآيات دلالة على أن المسلمين كانوا يأتون من دار هجرتهم إلى مكة بقصد أداء الحج أو العمرة، فيتصدّى لهم كفار قريش ويمنعونهم ويعتدون عليهم ويظلمونهم، وفي سورة الأنفال المدنية آية تذكر صدّ الكفار عن المسجد الحرام والادعاء بأنهم أولياؤه وهي هذه: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وفي سورة الفتح المدنية آية أخرى فيها نفس الدلالة وهي هذه: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ [٢٥] إلخ. وفي هذه إشارة إلى حادث تاريخي يقيني وهو رحلة النبي صلّى الله عليه وسلّم مع أصحابه إلى مكة بقصد زيارة المسجد الحرام وتصدي المشركين لهم ومنعهم. ونحن نرجّح الاحتمال الأول على ضوء ما شرحناه من تناسب بين الآيات وسابقاتها والله أعلم.
والآيات صريحة التقرير بأن تهيئة الكعبة لعبادة الله وتطهيرها والحجّ إليها وجعلها لجميع الناس من مقيمين وغير مقيمين، وإنشاء تقاليد الحجّ متصل بإبراهيم (عليه السلام) بأمر الله تعالى، وهذا التقرير تكرر في آيات في سورة البقرة مضافا إليه إن الله قد جعل الكعبة وحرمها مثابة للناس وأمنا وهي هذه: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ