ويتبادر لنا أنها تضمنت تقرير ما يلي: إن الله قد أرسل رسله بآياته وبيناته، فكان يقتضي أن يؤمن الناس جميعا ولا يختلفوا، ولا يكون بينهم نزاع وقتال وفساد في الأرض وأحقاد. ولكن مشيئة الله في خلقه اقتضت أن يكون الناس ذوي قابليات اختيارية ومتفاوتة فكان منهم نتيجة لذلك الكافر والمؤمن، والخبيث والطيب، ومن الطبيعي أن يكون بينهم خلاف وقتال ومن الطبيعي أن يدعى المعتدى عليه إلى القتال لدفع شر المعتدي وأذاه وليكون التوازن بدفع الناس بعضهم ببعض. والله قادر على أن لا يكون الناس أنواعا متفاوتين مختلفين ولكن حكمته اقتضت أن يكونوا مختارين غير مجبرين فكان هذا التنوع والتفاوت والخلاف والقتال.
والآية بهذا البيان المستلهم من روحها ومن روح التقريرات القرآنية عامة تنطوي على جليل التلقين وحكيم التعليل.
ولعل اختصاص موسى بالذكر تلميحا- في جملة مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وعيسى تصريحا هو بسبب ما احتوته الخلاصة القرآنية عن بني إسرائيل في معرض العبرة والتذكير أولا وبسبب ما كان يقع في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم وقبله من اختلافات ومنازعات وفتن وقتال بين اليهود فيما بينهم وبين النصارى فيما بينهم ثم بين اليهود والنصارى أيضا مما ذكرته روايات التاريخ القديم «١» وقد أشير إلى ما
انظر الجزء الثاني والرابع والخامس من كتابنا «تاريخ الجنس العربي» وانظر كتابنا «تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم» والمجلد الثاني والثالث والرابع من «تاريخ سورية» للمطران الدبس.