قال المفسرون إن اسم الرحمن هنا هو بسبيل توكيد كونه هو اسم الله تعالى وبسبيل الردّ على الكفار الذين كانوا ينكرون تسمية الله به ويتساءلون عن ذلك تساؤل المنكر المستغرب. والتعليل وجيه. وقد أشرنا إلى شيء مما كان حول اسم الرحمن في سورتي الفرقان والرعد وعلّقنا على ذلك بما يغني عن التكرار. ولعلّ بدء هذه السورة بهذا الاسم ونسبة مشاهد الكون إليه قرينة على وجاهة هذا التعليل ووجاهة ما قيل في صدد التنديد بالكفّار لكفرهم بالرحمن على ما حكته سورتا الفرقان والرعد. ولقد ذكرت روايات ترتيب السور أن هذه السورة نزلت بعد سورة الرعد «١». ولعل مطلعها قرينة على صحة الرواية.
ولقد روى البغوي عن ابن عباس أن الْإِنْسانَ في الجملة تعني آدم وأن جملة عَلَّمَهُ الْبَيانَ تعني تعليم آدم الأسماء كلّها مفضلا إيّاه على الملائكة على ما جاء في آيات سورة البقرة هذه: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) كما روى عن ابن كيسان أن الْإِنْسانَ تعني محمدا. وروى فيما رواه في سياق هذا القول أن الله علّم آدم اللغات جميعها حتى إنه كان يتكلّم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية! وإلى هذا فقد روى روايات أخرى منها أن الْإِنْسانَ تعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم وعَلَّمَهُ الْبَيانَ تعني القرآن. ومنها أن الْإِنْسانَ تعني الجنس البشري وعَلَّمَهُ الْبَيانَ تعني علّمهم النطق والكتابة والفهم والإفهام. وقد روى الطبري بعض ما رواه البغوي ثم قال: إن كون الإنسان هو الجنس الإنساني وأن معنى عَلَّمَهُ الْبَيانَ هو تعليمه الكلام والحلال والحرام وأمور الدنيا والآخرة هو الصواب. وهذا القول مع القول الأخير الذي يرويه البغوي هما الأكثر اتساقا مع روح الجملتين وعموم الخطاب فيهما. ويصحّ أن يضاف إليهما أن الجملتين هما بسبيل التنبيه إلى نعمة الله العظمى على الجنس

(١) ذكر ذلك المصحف الذي اعتمدناه ثم السيوطي في الإتقان وورد في الترتيب المروي عن ابن عباس وفي ترتيب الخازن.


الصفحة التالية
Icon