وللشيخ محيي الدين بن العربي الصوفي تفسير للآيتين مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ جاء فيه: (مرج البحرين بحر الهيولى الجسمانية الذي هو الملح الأجاج وبحر الروح المجرّد الذي هو العذب الفرات. يلتقيان في الوجود الإنساني. بينهما برزخ هو النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الروح المجرّدة ولطافتها ولا في كثرة الأجساد الهيولانية وكثافتها. لا يبغيان لا يتجاوز أحدهما حده فيغلب على الآخر بخاصتيه. فلا الروح يجرد البدن ويخرج به ويجعله من جنسه ولا البدن يجسد الروح ويجعله ماديا. سبحان الخالق القادر على ما يشاء) «١».
وفي هذا ما هو واضح من الشطح الذي يبتعد به الشيخ عن معنى العبارة القرآنية الصريحة ودلالتها القطعية.
والشيعة يفسرون جملة مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بعلي وفاطمة رضي الله عنهما وجملة يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ بالحسن والحسين (رضي الله عنهما) «٢».
وفي هذا كذلك ما هو واضح من الشطط والتعسف.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨)
. هذا المقطع فصل جديد في الخطاب والتقرير مع اتصاله ببيان عظمة الله.
فالآيات السابقة احتوت تقريرات عن آلاء الله وكونه ونواميسه ونعمته على الإنسان ووصاياه له. وهذا المقطع احتوى تقريرا عن ذات الله. والأسلوب كسابقه تقريري عام وهدفه تقرير عظمة الله أيضا: فكل كائن سواه قابل للفناء وهو الباقي الذي لا يطرأ عليه زوال ولا تغيير. وتعبير وَجْهُ رَبِّكَ بمعنى ذات الله عزّ وجلّ هو تعبير أسلوبي مألوف من المخاطبات البشرية التي نزل القرآن بأسلوبها. وقد نبّهنا على ما ينبغي أن يفهم من كلمة (وجه الله) وأمثالها مع وجوب تنزيه الله عن مماثلة خلقه

(١) التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٧.
(٢) الصراع بين الإسلام والوثنية ج ١ ص ٤ المقدمة.


الصفحة التالية
Icon