ولقد ذكر في سورة الجنّ وسورة الأحقاف وغيرهما شمول تكليف الله للجنّ وشمول حساب الآخرة وثوابها وعقابها لهم تبعا لذلك وأسوة بالإنس، ولما كان هذا مما أخبر به القرآن في جملة ما أخبر به من شؤون الجنّ المغيبة فقد صار من الواجب الإيمان به والوقوف منه عند ما وقف القرآن بدون تزيد. مع ملاحظة أن ذكر ذلك لا بدّ من أن يكون له حكمة ربانية. ولعلّ منها تقرير كون الجن- الذين يعبدهم العرب ويعوذون بهم ويشركونهم في الدعاء مما حكته آيات عديدة في سور سابقة هم أيضا- خاضعين لأمر الله ينال المحسن منهم ثوابه والمسيء عقابه في الآخرة.
ولقد وهم بعضهم أن بين هذه الآيات وبخاصة بين الآية الأولى منها وما يجري اليوم من محاولات الارتفاع في الفضاء والوصول إلى القمر والكواكب الأخرى شيئا من التعارض، حتى لقد أرسل لي أمين عام جماعة الإرشاد الإسلامية في شيبرون في جاوا أندينوسيا يسألني عن ذلك. وواضح من الآيات وشرحها أنها في صدد الآخرة وعذابها وإنذار الجنّ والإنس بهما. وننبه في هذه المناسبة إلى أنه ليس بين تلك المحاولات والنصوص القرآنية أي تعارض. وأن القرآن بما نبّه عليه في الآيات العديدة ومن تسخير الله تعالى السموات والأرض وما بينهما والشمس والقمر والنجوم هو في مقام الحضّ على بذل الجهد في سبيل معرفة كل شيء عن ذلك والانتفاع بكل ناموس أودعه الله في كونه والتنبيه على أن ذلك هو بسبيل معرفة عظمة الله وقدرته وبديع صنعه واستحقاقه وحده للعبادة والاتجاه. والله تعالى أعلم.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣٧ الى ٤٥]
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥)
. (١) وردة كالدهان: وردة بمعنى اللون الأحمر، وسميت الفرس الحمراء


الصفحة التالية
Icon