آخرون فاختلفوا على الغنائم بعد انقضاء الحرب فجعلها الله لرسوله». ومنها «أن الشبان يوم بدر تسارعوا إلى الحرب وبقي الشيوخ تحت الروايات فلما كانت الغنائم جاء الشباب يطلبونها فقال لهم الشيوخ لا تستأثروا عليها فإنّا كنا درءا لكم.
فتنازعوا فأنزل الله الآيات»
«١». وهناك رواية يرويها الطبرسي بالإضافة إلى الروايات السابقة عزوا إلى مجاهد تذكر «أن المهاجرين قالوا لماذا يرفع منّا الخمس ولماذا يخرج منّا فأنزل الله الآيات إيذانا بأن الأنفال جميعها لله ورسوله يقسمانها كيف شاءا». ومع عدم نفي الروايات الأولى التي تنطوي على صور محتملة لما كان من أصحاب رسول الله حول قسمة غنائم بدر فإننا نميل إلى ترجيح صحة رواية الطبرسي عن مجاهد التي تفيد أن النبي ﷺ أراد أن يعزز خمس الغنائم لإنفاقه على مصالح المسلمين فاعترض فريق من المهاجرين على ذلك فاقتضت حكمة التنزيل إيذانهم في أول السورة بأن الغنائم جميعها لله ورسوله. وقد يؤيد هذا نص الآية [٤١] من السورة التي انصبّ التشريع فيها أو انحصر بالخمس بأسلوب قوي يؤذن فيه المؤمنون بأن ذلك هو ما يجب أن يعلموه ويقفوا عنده. وقد يؤيده ذلك ما يلمح في الآيات التي بعد هذه الآيات من إيذان متكرر بأن ما أحرزه المؤمنون من انتصار على أعدائهم إنما كان بتأييد الله. كأنما يساق ذلك لتبرير هذا التشريع ولتوكيد القول إن الغنائم والحالة هذه من حقّ الله ورسوله وليس لهم أي حقّ باعتراض وخلاف. بل وكأنما كان نزول هذه السورة من أجل ذلك، والله تعالى أعلم.
ولقد اختلفت الاجتهادات التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل فيما إذا كانت الآية [٤١] قد نسخت هذه الآيات أم لا. من حيث إن هذه الآيات جعلت الغنائم كلها لله ورسوله والآية [٤١] حصرت حق الله ورسوله بالخمس. وقد عزي إلى ابن زيد قول بأنها محكمة لأنها قررت مبدأ لا يصح عليه النسخ وتغيير وهو أن الغنائم لله ولرسوله يقسمانها كيف شاءا وهذا هو الأوجه فيما يتبادر لنا. وما تقدم

(١) هذه الرواية رواها أيضا أبو داود والحاكم بصيغة مقاربة. انظر التاج ج ٤ ص ٣٣٧. [.....]


الصفحة التالية
Icon