والآيات لم تحتو سياقا تاما عن الوقعة لأن قصتها لم تقصد لذاتها، وإنما قصد فيها التذكير والعتاب وبيان إرادة الله في إحقاق الحق وإزهاق الباطل وإنزال العقاب الشديد في الكفار وقطع دابرهم. ومما يلمح من مقاصد الآيات تدعيم العتاب الموجه للمسلمين المعترضين وتأنيبهم على ما كان منهم من مشادة في صدد الغنائم بتقريرها أن الله هو الذي ألهم نبيه الخروج وأنه هو الذي رزقهم النصر والغنيمة معا على كره منهم.
وليس في هذه السورة ولا في غيرها إشارة أو وصف بأن الله قد أمر نبيه بالخروج ووعد المؤمنين بأن تكون إحدى الطائفتين أنها لهم. وهناك رواية يرويها المفسرون ووردت في كتب السيرة القديمة «أن النبي ﷺ قال لأصحابه حين خروجه إلى بدر سيروا وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين». على ما سوف نذكره بعد. فإما أن يكون الأمر بالخروج والوعد نزلا قرآنا ثم رفعا لحكمة ربانية وإما أن يكونا إلهاما ربانيا ووحيا غير قرآني عبّر عنهما بما جاء في العبارة. وفي هذا صورة من النسخ القرآني في حياة رسوله إذا كان قرآنا ورفع، أو مظهر من مظاهر حكمة الله ورسوله إذا كان إلهاما ربانيا. أو صورة من صور الوحي الرباني إذا كان وحيا غير قرآني. ومن هذا الباب تحويل القبلة عن المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام على ما خمّنّاه وشرحناه في سياق تفسير آيات تحويل القبلة في سورة البقرة.
ولقد روت كتب الحديث والسيرة والتفسير والتاريخ المعتبر «١» تفصيلات لأحداث ومشاهد وقصة بدر متفقة في الجوهر مع تباين في الجزئيات والأسماء ومتّسقة في الوقت نفسه إجمالا مع مدى هذه الآيات وغيرها من آيات السيرة.
ومجمل ذلك أن رسول الله ﷺ سمع أن أبا سفيان بن حرب مقبل من الشام في عير عظيمة لقريش (قافلة تجارية) وليس معه إلّا نحو ثلاثين أو أربعين رجلا، فندب المسلمين إليها، وقال لهم هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل

(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير وسيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٤٣- ٤٢٠ وطبقات ابن سعد ج ٣ ص ٥٠- ٦٦ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٣١- ١٧٢.


الصفحة التالية
Icon