تعليق على جملة كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ
هذه الجملة وإن كانت في صدد منع الأغنياء من نصيب من الفيء وتداول ما يفيئه الله تعالى على المسلمين من الأعداء بين الأغنياء والأقوياء وحسب، فإنها تنطوي فيما يتبادر لنا والله أعلم على معنى جليل بعيد المدى، وهو أنه لا ينبغي أن تكون الثروة محصورة التداول في أيدي فئة قليلة من الناس، وإن من حقّ السلطان الإسلامي أن يتخذ من التدابير ما يكفل توزيعها بين أكبر فئة منهم ولو بطريق تخصيص الفقراء ببعض موارد الثروة دون الأغنياء استئناسا بالآية التي فيها هذه الجملة حيث شاءت حكمة الله أن تخصص مورد الفيء جميعه لمصالح المسلمين العامة وفئاتهم المحتاجة دون الأغنياء. ولقد أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين» «١». وعمر رضي الله عنه كان من أقرب الناس إلى النبي ﷺ وبالتبعية من أكثرهم فهما لتوجيهات النبي ﷺ والقرآن وروحه. ولا شك في أنه صدر في قوله هذا عما اعتقد أنه يتسق مع ذلك. ولقد تواترت الروايات إلى حدّ اليقين بأنه رتّب المرتبات لمختلف فئات المسلمين وكان يهتم كثيرا لمساعدة ونجدة المحرومين والضعفاء والفقراء «٢» مما فيه توثيق لصحة صدور ذلك القول عنه.
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ٨ الى ١٠]
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠).
(٢) انظر تاريخ عمر بن الخطاب للإمام ابن الجوزي حيث استوعب كثيرا من أقواله وأفعاله في هذا الصدد.